Thursday, June 15, 2006

رحلتي الأولى إلى أرمينيا وغاراباغ الجبلية 7


السابع من أبريل- الخامس من مايس 2006
-الحلقة السابعة-

قصة إقليم آرتساخ-غاراباغ الجبلي

سمي إقليم غاراباغ بأسماء مختلفة تاريخياً. فقد سمي باسم (آرتساخ) الذي يتداول حتى اليوم من قبل سكان الإقليم أنفسهم. و(آرتساخ) تسمية أرمنية مؤلفة من مقطعين (-آر- نسبة الى آرا إله الشمس عند الأرمن و –تساخ- تعني غابة أو كرمة)، وبذلك، تعني كلمة (آرتساخ) غابة أو كرمة الإله آرا.
كما أطلق على الإقليم في المصادر العربية والأرمنية والبيزنطية والفارسية بين القرنين العاشر والثالث عشر الميلادي اسم (خاجين)، وهي مشتقة من كلمة (خاج) التي تعني صليب باللغة الأرمنية. ومنذ عهد ملك أرمينيا ساردور الثاني (765-735 ق.م.)، كانت (آرتساخ) جزءاً لا يتجزأ من أرمينيا.
تعرض الإقليم إلى غزوات الأتراك السلاجقة والتتر في القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي، مما أدى إلى انسحاب الأرمن إلى المعاقل والمناطق الجبلية، في حين استقر الغزاة في المناطق المنبسطة. وفي القرن الرابع عشر الميلادي، تم تغيير اسم الإقليم من قبل الغزاة لطمس هويتها الأرمنية لتصبح (غاراباغ) أو (قره باغ) (ومعناها الكرمة السوداء).
وفي عام 1813، ضمت امارات آرتساخ-غاراباغ الأرمنية إلى روسيا القيصرية بموجب اتفاقية (كيولستان) بعد الحرب الروسية-الفارسية. وفي عام 1918، وبعد استقلال (أذربيجان) الذي وضع أسمها آنذاك لأول مرة كدولة على الخريطة، أصبحت غاراباغ موضع نزاع مع أرمينيا. ولم تكن قد ظهرت بعد تسمية (الاذربيجانيين)، بل التتر أو أتراك القوقاز حتى عام 1930.
إلا أنه، وبضغط من ستالين، تقرر ادخال الإقليم ضمن أذربيجان مع اعطائه حكماً ذاتياً. وفي 7 تموز-يوليو 1923، أعلن عن تكوين (إقليم غاراباغ الجبلي -أو ناغورني كاراباخ- للحكم الذاتي)، على الرغم من اعتراضات الأرمن. وسميت عاصمة الإقليم (ستيباناكيرت) نسبة إلى الزعيم البلشفي الأرمني ستيبان شاهوميان.
ونتيجة لسياسة القمع والاضطهاد القومي التي انتهجتها أذربيجان، قلت نسبة الأرمن في الإقليم من 94,4 بالمائة في عام 1921 إلى 76,9 بالمائة عام 1989. وقد تم الاعلان عن جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية في 2 أيلول-سبتمبر 1991، وأجري استفتاء في 10 كانون الأول-ديسمبر 1991، بحضور مراقبين من الاتحاد السوفييتي السابق والعالم، صوت فيه 82 بالمائة من السكان إلى جانب استقلال الجمهورية عن أذربيجان.
وخاض الإقليم نضالاً مسلحاً ضد القوات الأذربيجانية المهاجمة انتهت بانتصار جيش الدفاع الذاتي لغاراباغ، وتوقيع الهدنة بين الطرفين عام 1994، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن مع بعض الخروقات من قبل الجانب الأذربيجاني الذي يهدد بين آونة وأخرى باللجوء إلى القوة المسلحة لفرض سيطرته على الإقليم ومنحه ما يسميه (حكماً ذاتياً واسع النطاق). وتستمر المفاوضات بين الجانبين الأرمني والأذربيجاني باشراف مجموعة مينسك في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي للوصول إلى حل نهائي للمسألة. ويبلغ عدد سكان جمهورية غاراباغ الجبلية نحو 150 ألف نسمة، في حين تبلغ مساحتها حوالي 5000 كيلومتر مربع.
وتحاول أذربيجان تصوير مسالة غاراباغ على أنها مطالب إقليمية لأرمينيا في أراضي أذربيجان، في حين أن المسألة في الحقيقة تكمن في عدم احترامها لحقوق الإنسان وحق تقرير المصير لسكان الإقليم، وهو مبدأ معترف به دولياً، كما هي الحال مع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في الأراضي العربية المحتلة.
كما تحاول أذربيجان تصوير الصراع على أنه ديني للحصول على دعم بعض الدول في منظمة المؤتمر الإسلامي، ويلقى هذا التوجه تشجيعاً ودعماً من قبل بعض وسائل الاعلام الغربية التي تحاول تصوير الصراعات على أنها دينية أو طائفية لأغراض استعمارية. فمن المعروف أن الشعب الأرمني يرتبط بعلاقات تاريخية وثيقة مع العرب والمسلمين[1]، وترتبط أرمينيا بعلاقات جيدة مع الدول العربية والإسلامية وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، وتعيش جاليات أرمنية كبيرة بوثام مع الأشقاء العرب في الدول العربية، وقد نالت احتراماً ووداً كبيرين فيها لاخلاصها في العمل ووفائها لهذه الدول[2].

زيارة إلى جمهورية غاراباغ الجبلية

تلقيت أثناء وجودي في يريفان دعوة لزيارة جمهورية غاراباغ الجبلية من صحفية تقطن هناك أسمها آناهيت كنت، وأنا في بغداد، قد تعرفت إليها عبر شبكة الإنترنيت، وهي تعمل بشكل طوعي في أحد مواقع الإنترنيت للأخبار في غاراباغ الجبلية، إلى جانب عملها لحساب إحدى الصحف في أرمينيا. وكنت قد أرسلت لها من بغداد، بناء على طلبها، مقالتين ياللغة الأرمنية عن حياة الأرمن العراقيين لنشرها في موقع الإنترنيت التي تعمل فيه. وقد نقلت بعض الصحف والمواقع الأرمنية للإنترنيت في أرمينيا وجورجيا وإيران هاتين المقالتين عن هذا الموقع.
وبعد تلقي هذه الدعوة، قررت تلبيتها في اليوم العشرين لزيارتي لأرمينيا. واستقلت صباحاً باصاً للركاب يقل 18 راكباً من مرآب السيارات الرئيس في يريفان، والذي يقع في شارع الأميرال ايساكوف (نسبة إلى الأميرال في الاتحاد السوفييتي السابق وبطله أثناء الحرب العالمية الثانية هوفهانيس (إيفان) ايساكوف 1894-1967 وهو من أصل أرمني).
وكان الجو بارداً وممطراً، وفي نحو منتصف الطريق من يريفان الى ستيباناكيرت عاصمة جمهورية غاراباغ الجبلية الذي يبلغ طوله 362 كيلومتراً أخذ الثلج بالهطول، وكان منظراً أشاهده لأول مرة في حياتي !! وقد دهش بعض ركاب الباص كثيراً لدى علمهم بذلك، وكان يتوجب عليً أن أوضح لهم أن الثلج لا يسقط أبداً في بغداد حيث ولدت !!
وكان الطريق الذي استغرق نحو ست ساعات ونصف جبلياً ووعراً، لا سيما الجزء الممتد منه بين مدينة (كوريس) في إقليم (سيونيك) الواقع جنوبي أرمينيا ومدينة ستيباناكيرت، وهو الطريق الذي بلط باشراف الصندوق الأرمني العام وتبرعات الأرمن في المهجر. وقد توفرت لي فرصة طيبة عبر الطريق للإطلاع على طبيعة أرمينيا الساحرة بسهولها وجبالها ووديانها.
وفي الباص، كان شاب في الخامسة أو السادسة والثلاثين من العمر، وهو من غاراباغ، جالساً بقربي. وعندما تحدثت إليه، شاهدت أثر جرح غائر على طول جبينه، فسألته: هل هذا أثر جرح أصبت به في حرب غاراباغ، وكان جوابه: نعم، إنه أثر جرح بليغ أصبت به أثناء الحرب في منطقة (مارداكيرت) شمالي إقليم غاراباغ. وكان في الباص أيضاً عجوز أرمني ذكر أنه أب لشهيد في حرب غاراباغ، وكانت عائلته قد قدمت شهيداً للوطن في حرب سارداراباد في أيار-مايس 1918 ضد القوات العثمانية التي غزت أرمينيا الشرقية لاستكمال مخطط الإبادة الأرمنية في أرمينيا الشرقية بعد تنفيذه في أرمينيا الغربية والأجزاء الأخرى من الدولة العثمانية. بيد أن الأرمن انتصروا في هذه المعركة، واضعين الأساس لاستقلال أرمينيا في 28 أيار-مايس 1918 وإعلان الجمهورية الأولى.
وفي الطريق إلى مدينة ستيباناكيرت وضعت دبابة في موضع عال يمكن مشاهدته من الطريق، وهي أول دبابة أرمنية دخلت مدينة شوشي أثناء تحريرها، وقد أصيبت في المعركة واستشهد طاقمها ما عدا مقاتل واحد .
وفي مدينة ستيباناكيرت التي وصلتها مساءً كانت في استقبالي آناهيت. وقد حللت، أثناء بقائي في مدينة ستيباناكيرت ليومين، ضيفاً في منزل شقيق آناهيت الذي يقع في حي ريفي يتمتع بطبيعة خلابة، حيث الجبال العالية ونهر يسمى (كاركار) يمر بالقرب من هذا المنزل.
ويتمتع الأقليم بطبيعة ساحرة، ويسمى أيضاَ (درة القوقاز) أو (سويسرا أرمينيا) لطبيعته الخلابة وأرضه الخصبة، ووجود الأنهار ومصادر المياه الوفيرة فيه. وكان الجو في مدينة ستيباناكيرت في هذا الوقت يتغير، كما هي الحال في يريفان، عدة مرات في اليوم الواحد من المشمس إلى الغائم وإلى الممطر.
وبعد الوصول إلى مدينة ستيباناكيرت لم أضيع الوقت، فبدأت تجوالي فيها على الرغم من الجو الممطر. وقمت بزيارة ساحاتها ونصبها، منها نصب شهداء حرب غاراباغ ومقبرة الشهداء بالقرب من نصب الانتصار في الحرب العالمية الثانية[3]. ومن أبرز المعالم لمدينة ستيباناكيرت وغاراباغ نصب (الجد والجدة) الذي يرمز إلى المعمرين الأرمن، ويقع في مكان عالٍ ويرتفع من الأرض بلا قاعدة.
وكانت مدينة (شوشي) الواقعة على جبال شاهقة الارتفاع تظهر من المنزل الذي سكنت فيه. وقالت اناهيت لي، وهي تشير إلى أحد الجبال القريبة، إن الجنود الأذربيجاميين نزلوا في إحدى المرات من هذه الجبال، واختطفوا عدداً من الفتيات الأرمنيات، بيد أن السكان الأرمن لحقوا بالجنود وأنقذوا الفتيات منهم.
وقام جنود غاراباغ في 9 أيار-مايس 1992 بتحرير مدينة (شوشي) ذات الأهمية الاستراتيجية في عملية عسكرية كاسحة لوقف القصف المتواصل الذي كانت تتعرض له العاصمة ستيباناكيرت من قبل الأذربيجانيين، والذي أسفر لأشهر عدة عن انقطاع المواصلات وندرة الماء والطعام. وسقط في هذه المعركة 29 شهيداً من جنود جيش الدفاع الذاتي لغاراباغ.
وتحدثت اناهيت لي عن شهيدين من أقاربها في الحرب، إلى جانب شهيد آخر كانت تعده أخاً لها، وقد تألمت بشدة عندما تذكرته، وقالت: إنه أصيب بشكل بليغ في إحدى المعارك، وبقي في المستشفى ثلاثة أسابيع قبل أن يستشهد، مضيفة: إنها تتذكره دائماً كأنه موجود ويتحدث معها.
وقد التقيت أخ اناهيت الأصغر (آفو) الذي يبلغ الثالثة والثلاثين من العمر، والذي التحق بحركة تحرير غاراباغ منذ صباه في عام 1989، ثم أصبح مقاتلاً بارزاً وأحد القادة الميدانيين في المعركة. ولاحظت خلال مرافقتي له أنه يحظى باحترام الناس ورجال الشرطة له في الشارع، وقد التقطت بعض الصور التذكارية معه ومع اناهيت.
كما زرت مقر موقع الانترنيت الذي تعمل فيه اناهيت وتعرفت إلى المحررة المسؤولة نايرا، وهي أرملة شهيد في حرب غاراباغ، وفريق العمل الذي كان يعرفني من خلال المقالتين اللتين أرسلتهما للموقع في السابق.

[1] راجع في هذا الصدد نص محاضرتي في هذا الموقع تحت عنوان: أرمينيا والأمة العربية.
[2] في مقالة مقبلة في هذا الموقع، سأنطرق بشيء من التفصيل إلى تاريخ الإقليم والصراع الذي خاضه من أجل الاستقلال.
[3] من مجموع عدد سكان الإقليم البالغ 120 ألف نسمة، قدم الإقليم خلال الحرب العالمية الثانية 45 ألف مقاتل استشهد أو فقد نصفهم في المعارك.

1 comment:

  1. Anonymous1:55 AM

    Azizi Ara, shloonach? zayn, mu zayn? zayn howayya? inta khoosh walad...hehehe...ana irani, wa breed qullak hadha: ash-sha3b irani yuhebb al-arman katheer...Iranian people love Armenians and Armenians...we are with you always...Azerbaijan is our common enemy...we will support you, habibi, la tkhaaf...Iran/Hayastan friendship is very strong! We are Aryan brothers!

    ReplyDelete

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...
p--cmYrAD_e345B