السابع من أبريل- الخامس من مايس 2006
-الحلقة الثامنة والأخيرة-
-الحلقة الثامنة والأخيرة-
لقاء اوسكانيان مع طلبة جامعة آرتساخ-غاراباغ
وأخبرتني اناهيت أنها أعدت لي برنامجاً يتضمن حضور اللقاء لوزير الخارجية لأرمينيا فارتان اوسكانيان مع طلبة جامعة آرتساخ-غاراباغ الرسمية، وإجراء لقاء مباشر مع محطة التلفاز الرسمية في الجمهورية. وقد حضرت أولاً لقاء اوسكانيان الذي جرى في قاعة كبيرة امتلأت بالحاضرين جلوساً ووقوفاً.
وتحدث اوسكانيان خلال اللقاء عن أفق حل مسألة غاراباغ، وقال: إن عجلة التاريخ لا يمكن ارجاعها إلى الخلف كما تريدها أذربيجان بعد أن حصلت غاراباغ على حريتها واستقلالها وبعد التضحيات النفيسة التي بذلها سكان الإقليم، ومنهم طلبة ومنتسبي جامعة آرتساخ-غاراباغ الذين قدموا 70 شهيداً في الحرب. وأضاف: أن لا أحد من المسؤولين في أرمينيا أو غاراباغ الجبلية يمكن أن يقبل بارجاع السيطرة الأذربيجانية على الإقليم، ولا يمكن التحدث عن وحدة وسلامة أراضي اذربيجان، لأن غاراباغ لم تكن أبداً جزءاً من أذربيجان. وهنا قابل الحاضرون هذا التصريح بالتصفيق الحاد.
وأشار اوسكانيان إلى سياسة إنكار تركيا للإبادة الأرمنية لعام 1915 وانضمام أذربيجان اليها في هذا الإنكار وقيامها هي الأخرى بممارسة الإبادة الثقافية بحق النصب الأرمنية في إقليم ناخيتشيفان. وأكد أنه لا يمكن السماح بأن يقف شعبنا مرة أخرى أمام محنة الإبادة.
وذكر اوسكانيان أن الخطوط الحمراء التي لا يمكن أن يتجاوزها أي مسؤول في أرمينيا في مسألة غاراباغ، هي: حق تقرير المصير لسكان الإقليم، وضمان الأمن، إلى جانب ضمان اتصال الإقليم بأرمينيا.
وفي ختام اللقاء، وجهت لوزير الخارجية أسئلة كثيرة من الحاضرين. وقد لاحظت أن الطلبة كانوا يلقون أسئلتهم باللغة الأرمنية، وهم يتقنون اللغة الأم إلى حد كبير، في حين كان الأساتذة يلقون أسئلتهم أما باللغة الروسية أو بلغة أرمنية ضعيفة. وعلمت أن ذلك يعود إلى سياسة القمع والإضطهاد القومي التي كانت تنتهجها أذربيجان في الإقليم في السابق، إذ كانت تمنع التعليم باللغة الأرمنية، وتسمح به فقط باللغة الروسية أو الآذرية. فكان سكان الأقليم يختارون اللغة الروسية لغة للتعليم. وقد تغير هذا الواقع بعد إعلان الاستقلال في عام 1991، وأصبح الجيل الجديد يتلقى تعليمه باللغة الأم التي أصبحت لغة رسمية في جمهورية غاراباغ الجبلية.
في محطة التلفاز الرسمية
بعد انتهاء اللقاء في جامعة آرتساخ-غاراباغ الرسمية، توجهت إلى محطة التلفاز الرسمية في العاصمة، والتي تبث برامجها لمدة ساعتين يومياً. وقد حللت ضيفاً على برنامج يبث مباشراً ويحمل عنوان (باريف)، وتعني مرحباً باللغة الأرمنية. وقد عرفتني مقدمة البرنامج إلى المشاهدين، وطلبت مني الحديث عن حياة الأرمن العراقيين اليوم، لا سيما فئة الشباب، والتحدث عن نشاطاتي في مجال الدفاع عن القضية الأرمنية، وعن انطباعاتي من الزيارة الأولى لأرمينيا وغاراباغ الجبلية، وتصوراتي لأفق حل مسألة غاراباغ وقضية الاعتراف بالإبادة الأرمنية من قبل تركيا. واستغرق البرنامج 48 دقيقة، وتخللته تحقيقات تلفازية عن حياة الناس والصناعات اليدوية في غاراباغ الجبلية، فضلاً عن فواصل غنائية.
وقمت بالإجابة عن التساؤلات العديدة التي وردت من المشاهدين للبرنامج عبر الهاتف. وبعد انتهاء البرنامج أخبرتني المشرفة على الاتصالات أن العديد من المتصلين الذين لم يسمح وقت البرنامج للاجابة عن أسئلتهم قد سألوا عن ظروفي واحوالي الشخصية والعائلية وعن اسم المدينة في أرمينيا الغربية التي يتحدر منها آبائي وأجدادي. وقد أجبت عن التساؤل الأخير في البرنامج.
وكان شعوري بالفرح لا يوصف لظهوري للمرة الأولى من على شاشة التلفاز لغاراباغ الجبلية في بث مباشر. ولم أتصور في يوم من الأيام أن الفرصة ستسنح لي للتحدث مع سكان آرتساخ-غاراباغ الذين تابعت مسيرة نضالهم يوماً بيوم عبر الصحف ووسائل الاعلام وأعجبت بالاصرار وروح التضحية التي يملكونها من أجل نيل الحرية والاستقلال.
وهنأتني اناهيت وأهلها ومعارفها على هذا اللقاء، وقالت اناهيت لي مازحة: الآن يا صديقي قد أصبحت معروفاً لجميع سكان غاراباغ الجبلية !! وفي اليوم التالي، وعندما استقلت الباص للرجوع إلى يريفان، تعرف اليَّ السائق الذي قال لي: لقد رأيتك بالأمس من على شاشة التلفاز !! وأخذ يهتم بي ويعاملني معاملة خاصة مقارنة بباقي الركاب !! وعند وقوف الباص في إحدى المواقع على الطريق، التقيت شاباً تصادف وجوده معي في باص الذهاب إلى ستيباناكيرت، والذي قال لي أنه شاهد البرنامج وطلب مني العنوان الإلكتروني لموقعي هذا الذي ذكرته في البرنامج ليتسنى له متابعة مقالاتي التي أكتبها باللغة الإنكليزية.
وقد تمتعت جداً بهذه الزيارة وبكرم ونبل سكان ستيباناكيرت وأهل اناهيت بشكل خاص. وكان لا بد لكل زائر لغاراباغ أن يتذوق الخبز الخاص طيب المذاق الذي يعده أهلها، ويسمى (خبز جينكال)، وهو خبز ممزوج بالأعشاب، ويعد مشابهاً لفطيرة اللحم بالعجين.
ولاحظت التمسك الشديد لسكان غاراباغ الجبلية بالدفاع عن قضيتهم العادلة واستقلالهم واعتراف المجتمع الدولي بهم، وإعادة الاعمار لجمهوريتهم، برغم ظروفها الاقتصادية الصعبة. وآمل أن يكون في مقدوري المشاركة في إعادة الإعمار لغاراباغ الجبلية، لا سيما أن شركة أرمنية للإنشاءات عرضت عليَّ خلال وجودي في يريفان العمل كمهندس بناء في الشركة التي تقوم بتشييد الطرق في أرمينيا والمدارس في غاراباغ الجبلية.
في الأيام الأخيرة لرحلتي إلى أرمينيا وغاراباغ الجبلية، وبالتحديد في يوم الأربعاء الثالث من أيار-مايس 2006، وقع حادث سقوط الطائرة الأرمنية من طراز ايرباص (A-320) المملوكة لشركة (ارمافيا) الأرمنية للطيران في البحر الأسود، وهي في طريقها من يريفان إلى سوشي على البحر الأسود، مما أدى إلى مقتل جميع ركابها وطاقمها البالغ عددهم 113 شخصاً.
وقد عم الحزن جميع أنحاء أرمينيا ووضعت الموسيقى الحزينة والكلاسيكية في جميع القنوات التلفازية والإذاعية فيها، وأعلن يوما الخامس والسادس من أيار-مايس 2006 يوما حداد في أرمينيا وغاراباغ الجبلية، ويوم الخامس من أيار-مايس يوم حداد في روسيا الاتحادية.
وعرضت القنوات التلفازية في أرمينيا أسماء الضحايا وآخر الأخبار والتطورات في ما يتعلق بالبحث عن حطام الطائرة في البحر الأسود وصندوقها الأسود للتقويم الصحيح لأسباب الحادث. كما عرضت هذه القنوات قصصاً حزينة ومؤلمة من أهالي الضحايا الذين ذهب بعضهم للعمل في سوشي لمساعدة عائلاتهم مادياً، وعن أفراد طاقم الطائرة، ومنهم مضيفة في الخامسة والعشرين من العمر كانت تتهيأ للزواج من شاب يخدم في الجيش، وهي تحبه حباً جماً وتنتظر باستمرار مكالماته الهاتفية. وقد علمت أن من بين ضحايا الطائرة شخصاً أعرفه هو السيد هوسيك هاروتونيان الذي عرفته في بغداد عندما كان خلال عامي 2000 و 2001 مديراً لشركة (بروموتيفس) الأرمنية. وكان شخصاً طيباً ومحباً للجميع، ويسكن، برفقة زوجته كوهار، في البيت المجاور للمقر المؤقت لسفارة جمهورية أرمينيا في بغداد حيث كنت أعمل. وتم تأجيل حفل في قاعة خاتشاتوريان في مبنى الباليه والأوبرا كان صديق قد دعاني إليه في مساء يوم 3 أيار-مايس.
العودة إلى حلب
في ظل الأجواء الحزينة التي سادت أرمينيا بسبب حادث سقوط الطائرة، ركبت الطائرة السورية إلى مدينة حلب بعد منتصف ليل 5 أيار-مايس. وتصادف وجودي في مدينة حلب في اليوم الأول مع ذكرى يوم الشهداء في 6 أيار-مايس، وهي ذكرى قيام السلطات العثمانية في 6 أيار-مايس 1915 بنصب المشانق للزعماء العرب في دمشق وبيروت. وبثت القناة الفضائية السورية برنامجاً خاصاً بهذه المناسبة تطرقت فيه، وبشكل موسع، إلى مجازر الإبادة الأرمنية التي ارتكبها السفاحون من زعماء حزب الاتحاد والترقي بحق الشعب الأرمني في الدولة العثمانية.
وكانت مصادفة رائعة أن يتزامن وجودي في أرمينيا مع ذكرى يوم الشهداء الأرمن في 24 أبريل-نيسان، وفي سوريا مع ذكرى يوم الشهداء العرب في 6 أيار-مايس.
إنني في العراق
مكثت في مدينة حلب ثلاثة أيام، قررت بعدها العودة إلى بغداد بسلك الطريق البري الذي يمر عبر مجمع الوليد الحدودي. وقد وصل الباص إلى المجمع بعد منتصف الليل، وكان على المسافرين الانتظار حتى الصباح في انتظار دوام العاملين في المجمع.
وفي الصباح، دخل الباص المجمع، فشاهدت بقايا سيارات محترقة، وحواجز خرسانية، وجنوداً أميركيين. عندئذ قلت لنفسي: إنني في العراق !!
0 comments:
Post a Comment