في متحف تاريخ أرمينيا
يقع المتحف الحكومي لتاريخ أرمينيا في ساحة (الجمهورية)، وقد تأسس في العام 1921، وتحفظ فيه أكثر من (300) ألف معروض أثري تسلط الضوء على تاريخ الشعب الأرمني منذ الأزمنة القديمة وحتى الوقت الحاضر.
ويضم المتحف قاعات في الطابقين الأرضي والأول من المبنى تحوي معروضات من الحقب التاريخية المختلفة من السجاجيد، والصلبان الحجرية، والأبواب الخشبية المزخرفة للكنائس والأديار، والملابس الكهنوتية، والصناعات اليدوية، والتماثيل، والمصوغات الذهبية، والنقود المعدنية التي أستخدمت في أرمينيا في الحقب التاريخية المختلفة، إلى جانب أنواع مختلفة من اللقى الأثرية التي وجدت أثناء التنقيبات الأثرية التي أجريت في أرمينيا في العقود الأخيرة.
وقد جذب انتباهي في هذا المتحف، بشكل خاص، الجزء الذي عرضت فيه خرائط أرمينيا في العصور التاريخية المختلفة، ويحوي خرائط شرقية قديمة ويونانية ورومانية، وخرائط مسيحية وإسلامية من القرن السادس ق.م. وحتى القرن التاسع عشر الميلادي. وفي جميع هذه الخرائط، تم تسجيل أرمينيا كوحدة أقليمية مستقلة لها أسمها وجبالها وأنهارها ومدنها. وتحفظ أصول أغلب هذه الخرائط في المكتبة البريطانية في لندن، والمكتبة الوطنية في باريس، والمكتبة الرسولية في الفاتيكان، والمكتبة البودلية في اكسفورد، ومكتبة جامعة بولوغنا، والمكتبة الوطنية المركزية لمدينة فلورنسا.
ومن مجموعة الخرائط هذه توجد خريطة بعنوان: "تركيا في آسيا" المطبوعة في حي اسكودار في مدينة اسطنبول خلال عامي 1803 و 1804، والموجودة في المكتبة البريطانية بلندن. وهذه الخريطة هي إحدى الخرائط في (أطلس العالم) العثمانية المترجمة عن كتاب (الأطلس العام) لويليام فادن المنشور في لندن في عام 1797. وتظهر في هذه الخريطة الأجزاء الآسيوية من تركيا، وتُبيّن أرمينيا هنا منقسمة بين عجمستان (إيران) والإمبراطورية العثمانية، وأعطيت لعدد من ولاياتها أسماؤها الأرمنية. كما أطلقت على ولايتي (فان أو وان) و (أرضروم) تسمية (أرمنستان)، أي أرمينيا. وتظهر أذربيجان في هذه الخريطة الى الجنوب من نهر آراكس (الرس) كإحدى الولايات في إيران.
لقاءات بالأرمن العراقيين
خلال زيارتي لمدينة يريفان، التقيت بالعديد من الأرمن العراقيين، وقد قيل لي أن هنالك نحو (60) عائلة أرمنية من العراق سكنت في أرمينيا قبل الغزو الأميركي-البريطاني للعراق عام 2003 وبعده، وهم يلتقون مع بعضهم البعض خلال المناسبات والأعياد الدينية والقومية، والبعض الآخر يلتقي مع الآخرين بشكل مستمر.
وقد التقيت بعض الأرمن العراقيين مصادفة خلال تجوالي في شوارع المدينة ومترو الأنفاق، ولدى زيارتي لنصب الإبادة الأرمنية، في حبن قام آخرون بدعوتي لزيارتهم. وقد سألني جميع الأرمن العراقيين الذي التقيت بهم بلهفة عن أخبار العراق وأخبار الأهل والأصدقاء هناك، وهم يشاهدون دائماً القنوات الفضائية العراقية والعربية، ويشعرون بشوق وحنين كبيرين إلى العراق. وأخبرتني إمرأة أرمنية عراقية كانت قد قطنت أرمينيا منذ عام 2003 أنها تبكي بكاءً شديداً كلما تشاهد أغاني المطرب العراقي هيثم يوسف على القنوات الفضائية العراقية، لا سيما تلك التي تتغنى بالعراق والحنين إليه في الغربة.
وأنا بدوري، ومع تمتعي بأوقاتي وتجوالي في مدينة يريفان، كنت أشعر بالحنين إلى أهلي وأصدقائي في بغداد. وكنت أتألم بشدة لدى مشاهدتي للأخبار عن تدهور الوضع الأمني في العراق الذي يحصد أرواح الآلاف من الأبرياء من أبناء بلدي.
وحملني هاكوب، وهو أرمني عراقي يقيم في يريفان مع عئلته منذ تموز-يوليو 2005، حملني لدى توديعي له قبل مغادرة أرمينيا بساعات أن أنقل سلاماً حاراً وخاصاً إلى جميع أهل العراق، وها أنا أنقل هذا السلام بأمانة عبر هذه السطور
تلقيت أثناء وجودي في مدينة يريفان دعوة من أحد الأصدقاء من الأرمن العراقيين الذين استقروا في أرمينيا لحضور دعوة الغداء الذي أقامها في منزله على شرف اثنين من الأكاديميين الأرمن البارزين، وهما: الشاعرة الأرمنية الكبيرة سيلفا كابوديكيان، والمختص في العمارة الأرمنية فارازتاد هاروتونيان. وتبلغ الشاعرة كابوديكيان السابعة والثمانين من العمر، في ما يبلغ الأكاديمي هاروتونيان السابعة والتسعين من العمر.
وبغرض التعارف، أخذت الشاعرة الكبيرة تسأل الحضور عن أسمائهم. وعندما سألتني عن اسمي، أجبتها أنه آرا، فقالت: إنه اسم ابني، في إشارة إلى ابنها الفنان والنحات البارز آرا شيراز. وقد التقطت صوراً تذكارية مع الأكاديميين الأرمنيين اللذين سألانا أيضاً عن أحوال العراق والأرمن فيه. وقال هاروتونيان: إنه كان قد زار العراق في عام 1968 وتجول في أنحائه، وتمنى انسحاب القوات الأجنبية من البلاد ليتولى العراقيون زمام أمورهم بانفسهم ويقومون بإعمار بلادهم. وأضاف: إن العراقيين، ومنهم الأرمن، يتميزون بالنشاط والحيوية، وتمنى للشعب العراقي الخير والإزدهار.
وكنت أحلم بلقاء الشاعرة كابوديكيان التي قرأت عن اشعارها منذ سني دراستي في مدرسة الأرمن المتحدة الأهلية ببغداد. وقد رأيت الشاعرة، برغم كبر سنها، وهي تتمتع بالحيوية والذاكرة القوية، وتعقب بشكل ظريف على أقوال بعض الحضور
0 comments:
Post a Comment