Monday, May 29, 2006

رحلتي الأولى إلى أرمينيا وغاراباغ الجبلية 3


السابع من أبريل- الخامس من مايس 2006
-الحلقة الثالثة-

زيارة إلى مدينة اجميادزين المقدسة

لمناسبة عيد القيامة المجيد الذي صادف في هذا العام في السادس عشر من نيسان-أبريل، زرت مدينة اجميادزين المقدسة وكاتدرائيتها التي بنيت في العام 303 م بعد أن اعتنقت أرمينيا الديانة المسيحية بشكل رسمي عام 301 م، وهي أول كاتدرائية مسيحية في العالم والمركز الروحي للأرمن ومقر الكائوليكوس (الزعيم الروحي الأعلى للكنيسة الأرمنية).
تقع المدينة على بعد 18 كيلومتراً غرب مدينة يريفان، وكانت تدعى قديماً (فاغارشاباد)، وقد أسسها ملك أرمينيا فاغارشاك (117-140 م). وأصبحت اجميادزين عاصمة لأرمينيا بين القرنين الثاني والخامس الميلادي.
وكان تأثري بالغاً بمشاهدة الكاتدرائية التي سمعت وقرأت منذ طفولتي عن قصة تشييدها من قبل القديس كريكور المنور والملك درتاد الثالث [1]، والتي كنت أحاضر عنها لطلبتي في مطرانية الأرمن الأرثوذكس ببغداد في مادة تاريخ الشعب الأرمني والكنيسة الأرمنية. وقد شاهدت الجموع الغفيرة من الأرمن من أرمينيا وأنحاء العالم كافة وهم يحضرون القداس الإلهي الذي أقامه الكاثوليكوس كاريكين الثاني وحضره رئيس جمهورية أرمينيا ورئيس الحكومة وأعضاء الحكومة.
وقد التقطت، وبعض الأصدقاء، صورة تذكارية في باحة الكاتدرائية مع وزير الخارجية الأرمني فارتان اوسكانيان وعقيلته بعد انتهاء مراسيم القداس الإلهي.
وفي باحة الكاتدرائية شاهدت قبوراً لزعماء الكنيسة الأرمنية، ومنهم الكاثوليكوس فازكين الأول والكاثوليكوس كاريكين الأول، وهما الرئيسان (130) و (131) للكنيسة الأرمنية الرسولية المقدسة على التوالي. كما شاهدت قبر الكاثوليكوس مكرديج خريميان (خريميان هايريك) الذي كان من قادة حركة التحرر الأرمني في أرمينيا الغربية ورئيس الوفد الأرمني إلى مؤتمر برلين عام 1878، والذي قال لأبناء شعبه بعد عودته إلى موطنه: "لقد طبخت الحرية في برلين، ولكننا لم نتمكن من أكلها بملعقة من الورق. لا ترجوا يا أولادي أي أمل من الأجانب ودبروا أموركم بأنفسكم"، فكان هذا القول نذيراً للثورة عند الأرمن. وستحيي الكنيسة الأرمنية الرسولية وحاضرة اجميادزين المقدسة في العام 2007 ذكرى مرور 100 سنة على وفاته.
كما شاهدت قبوراً لرؤساء آخرين للكنيسة الأرمنية الرسولية والذين لعبوا دوراً مؤثراً في تاريخ الشعب الأرمني والكنيسة الأرمنية.

جولة عامة في يريفان

ومن المعالم المميزة لمدينة يريفان ساحة (الجمهورية) في وسط المدينة. وتشرف على الساحة مبنى وزارة الخارجية ودار الحكومة ومبانِِ حكومية أخرى، وساعة يريفان الرئيسية التي تشير بدقاتها إلى الوقت كل ربع ساعة. كما تشرف على الساحة بناية متحف تاريخ أرمينيا، وفنادق ومصارف ومكتبات ومرافق أخرى. وتعد الساحة مكاناً ملائماً للاستجمام والراحة، إذ تطلق النافورات المياه في المساحة التي تقابل بناية متحف تاريخ أرمينيا. وفي الليل يبدو المنظر رائعاً من خلال الأنوار المتلألئة للأبنية التي تشرف دائرياً على الساحة.
وبالقرب من ساحة (الجمهورية) يقع شارع آرام، نسبة إلى آرام مانوكيان (1879-1919)، وهو مؤسس الجمهورية الأولى ووزير الداخلية فيها. ويقع في هذا الشارع المنزل الذي سكن فيه مانوكيان. كما تقع بالقرب من ساحة (الجمهورية) البناية التي أعلن آرام مانوكيان من شرفتها استقلال أرمينيا على الجماهير المتشدة في الشارع في 28 أيار-مايس 1918.
والزائر لمدينة يريفان يمكنه اقتناء هدايا تذكارية أرمنية رائعة من سوق كبيرة تفتتح أيام الأحد في موقع قريب من ساحة (الجمهورية)، ويسمى سوق (فيرنيساج).
ومن ساحة (الجمهورية) يمكن أن نسلك شارع آبوفيان (سمي باسم الأديب الأرمني البارز خاجادور آبوفيان 1809-1848) للوصول إلى شارع سايات نوفا (وهو موسيقار وشاعر أرمني بارز عاش في القرن الثامن عشر)، ومن ثم الانحراف يساراً للوصول إلى تقاطع شارعي ميسروب ماشدوتس (وهو مخترع الأبجدية الأرمنية في عام 406 م) وباغراميان (نسبة إلى المارشال هوفهانيس باغراميان 1897-1982 وهو من أصل أرمني ومارشال الاتحاد السوفييتي السابق وبطلها لمرتين والذي قاد بنجاح الجيوش السوفييتية أثناء الحرب العالمية الثانية).
ويقع عند هذا التقاطع مسرح الأوبرا والباليه الحكومي الذي سمي باسم الموسيقار الأرمني الكسندر سباندياريان (1871-1928). ويقع أمام هذا المبنى تمثالا الموسيقار سباندياريان والشاعر الأرمني الكبير هوفهانيس تومانيان (1869-1923)، وتسمى الساحة الداخلية التي تحيط بالتمثالين وبناية الأوبرا ساحة (الحرية). وكان هذا المبنى الذي صمم من قبل المعماري الأرمني والأكاديمي البارز الكسندر تامانيان (وهو واضع الخطة الأساسية لإعادة اعمار مدينة يريفان عام 1924) قد حصل على ميدالية ذهبية في مسابقة عالمية في باريس. ويضم هذا المبنى أيضاً قاعة كبيرة للاحتفالات الموسيقية باسم الموسيقار الأرمني العالمي آرام خاتشادوريان (1903-1978)، والتي شهدت لمرات عديدة عزف الموسيقار فيها.
وفي مقابل مبنى الأوبرا والباليه توجد ساحة باسم الرسام الأرمني الكبير مارديروس ساريان (1880-1972) تعرض فيها الأعمال الفنية واليدوية الرائعة أيام السبت والأحد من كل أسبوع.
ومن مبنى الأوبرا والباليه وساحة (مارديروس ساريان) يبدأ شارع باغراميان، وقد تعمدت في إحدى المرات المشي سيراً على الأقدام من ساحة (الجمهورية) إلى مبنى الأوبرا والباليه، ومن ثم سلك شارع باغراميان الطويل، وصولاً إلى ساحة (الصداقة) للتعرف إلى معالم المدينة وطرقها بالاستعانة بخريطة يريفان، بدلاً من ركوب القطار في مترو الأنفاق.
يقع في شارع باغراميان مقر رئيس الجمهورية ومبنى البرلمان واتحاد الكتاب وعدد من المباني والمرافق العامة. ويتفرع منه شارعا بروشيان وأوربيلي.
ويمتد شارع باغراميان إلى ساحة (الصداقة)، حيث تقاطع شوارع كييف وكاسيان وكوتشار. والى اليسار يمتد شارع كييف حتى جسر (هرازتان) الذي يربط ضفتي المدينة اليمنى واليسرى. والى اليمين من هذا الجسر يمتد شارع (حالابيان)، وفيه استأجرت شقة أثناء إقامتي في المدينة في حي (آجابنياك)، وتعني بالأرمنية الضفة اليمنى (لنهر هرازتان). والى اليسار من جسر (هرازتان) يقع نصب الإبادة الأرمنية لعام 1915 على التل المسمى (دزيدزيرناكابيرت).
أما مترو الأنفاق في المدينة، فتبدأ محطته الأولى من ساحة (الصداقة)، وينتهي في المحطة التاسعة في ساحة (كاريكين نجديه)، وهو القائد والثائر الأرمني في سنوات الجمهورية الأولى (1918-1920). ومترو الأنفاق في المدينة هو الثامن الذي شيد في الاتحاد السوفييتي السابق، وبدأ تشغيله في آذار-مارس 1981، ويبلغ الطول الإجمالي لمحطاته التسع 11,9 كيلومتر. وعلمت أن هنالك خطة لمد خطوط القطار إلى مناطق أخرى في المدينة. وكنت أركب قطار مترو الأنفاق للمرة الأولى في حياتي، وذلك بسبب عدم وجوده في مدينة بغداد.
ولا يمكن لأية كتابة أن تغني عن المشاهدة الحية والانطباعات التي تتكون من مشاهدة المدينة.


[1] راجع مقالتي في هذا الموقع تحت عنوان:" لمحة موجزة عن تاريخ الكنيسة الأرمنية لمناسبة مرور 1700 عام على اعتناق أرمينيا الديانة المسيحية عام 301 م" .

0 comments:

Post a Comment

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...
p--cmYrAD_e345B