بقلم: آرا آشجيان
يريفان، أرمينيا
لقد مضى الآن سنة وثلاثة أشهر على تواجدي في حبيبتي يريفان، وقد أنهيت العمل لتشييد جسر في شارع الكسندر مياسنيكيان، وهو أول زعيم شيوعي لأرمينيا السوفييتية، وهذا الجسر شيد ملاصقاً لجسر مشيد من الحجر يعود تاريخ بنائه إلى العام 1933 في عهد الزعيم الشيوعي الأرمني آغاسي خانجيان، ويقع ضمن المشروع لتشييد طريق عام يربط شوارع هيراتسي وسارالانج وآفيتيسيان.
وقد زار المشروع بعد انتخابه رئيساً لأرمينيا سيرج ساركيسيان، وتم التركيز علبه إعلاميا في الأشهر الأخيرة لانجازه. ونم افتتاحه في التاسع والعشرين من أيلول-سبتمبر 2008 في إطار الاحتفالات للذكرى السنوية لإعلان استقلال أرمينيا عن الاتحاد السوفييتي السابق في الحادي والعشرين من أيلول-سبتمبر1991.
وكان زملائي في العمل يندهشون من عدم تأئري بظروف الجو الحار في أرمينيا، بسبب طبيعة العمل ألموقعي الذي أقوم به، والذي يصل في أقصى حرارته في تموز-يوليو الى 38-40 درجة مئوية، على الرغم من انخفاض الحرارة في الليل وهبوب الرياح العالية حتى في أوقات النهار وسقوط المطر في بعض الأيام !! وكنت أقول لزملائي إن هذا الجو بالنسبة لي حسن مقارنة بالجو الحار في بغداد الذي يصل في هذا الوقت من السنة إلى أكثر من 50 درجة مئوية!!
يريفان، أرمينيا
لقد مضى الآن سنة وثلاثة أشهر على تواجدي في حبيبتي يريفان، وقد أنهيت العمل لتشييد جسر في شارع الكسندر مياسنيكيان، وهو أول زعيم شيوعي لأرمينيا السوفييتية، وهذا الجسر شيد ملاصقاً لجسر مشيد من الحجر يعود تاريخ بنائه إلى العام 1933 في عهد الزعيم الشيوعي الأرمني آغاسي خانجيان، ويقع ضمن المشروع لتشييد طريق عام يربط شوارع هيراتسي وسارالانج وآفيتيسيان.
وقد زار المشروع بعد انتخابه رئيساً لأرمينيا سيرج ساركيسيان، وتم التركيز علبه إعلاميا في الأشهر الأخيرة لانجازه. ونم افتتاحه في التاسع والعشرين من أيلول-سبتمبر 2008 في إطار الاحتفالات للذكرى السنوية لإعلان استقلال أرمينيا عن الاتحاد السوفييتي السابق في الحادي والعشرين من أيلول-سبتمبر1991.
وكان زملائي في العمل يندهشون من عدم تأئري بظروف الجو الحار في أرمينيا، بسبب طبيعة العمل ألموقعي الذي أقوم به، والذي يصل في أقصى حرارته في تموز-يوليو الى 38-40 درجة مئوية، على الرغم من انخفاض الحرارة في الليل وهبوب الرياح العالية حتى في أوقات النهار وسقوط المطر في بعض الأيام !! وكنت أقول لزملائي إن هذا الجو بالنسبة لي حسن مقارنة بالجو الحار في بغداد الذي يصل في هذا الوقت من السنة إلى أكثر من 50 درجة مئوية!!
آلينا
التقيت في يريفان بعد وصولي إليها بزوجتي الآن آلينا، وهي فتاة أرمنية تعرفت إليها عبر الانترنت وأنا في بغداد. ويتحدر أجدادها من منطقة (هامشين) المطلة على البحر الأسود في أرمينيا الغربية الواقعة الآن في تركيا، وهي من مواليد مدينة (عشق آباد) عاصمة جمهورية (تركمنستان)، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. وقد جاءت آلينا إلى أرمينيا في عام 1993 للدراسة وأكملت دراستها الجامعية والعليا فيها وأقامت مع جدها لأمها الذي هاجر من مدينة (عشق آباد) إلى أرمينيا بعد مذابح الأرمن في باكو عاصمة أذربيجان في كانون الثاني-يناير 1990، خشية من تكرار الأحداث ذاتها ضد الأرمن في جمهورية تركمنستان المجاورة لأذربيجان، واستقر في مدينة (أجميادزين) مقر الكنيسة الأرمنية الرسولية المقدسة. وقد ولد الجد في مدينة (كوريس) جنوبي أرمينيا، وهو من المحاربين القدماء الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية (وكان يطلق عليها في الاتحاد السوفييتي السابق تسمية الحرب الوطنية العظمى)، وحصل على العديد من الأوسمة والميداليات. وقد حرصت على زيارة الجد وتهنئته في يوم 9 أيار-مايس، وهو يوم الانتصار في الحرب العالمية الثانية الذي يتم الاحتفال به في أرمينيا وبقية جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، فضلا عن أنه يوم تحرير مدينة شوشي ذات الأهمية الإستراتيجية في جمهورية ارتساخ-غاراباغ الأرمنية الذي ضمن الانتصار لجيش الدفاع الذاتي لجمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية ضد الجيش الأذربيجاني.
ومن الملفت للنظر أن آلينا عندما جاءت إلى أرمينيا لم تكن تتكلم غير اللغة الروسية، بسبب عدم وجود كنيسة ومدرسة للأرمن في مدينة (عشق آباد). وقد تعلمت اللغة الأرمنية في أرمينيا وأتقنتها إلى حد أنها تترجم المقالات الآن من والى اللغة الأرمنية. وقامت آلينا بنشر كتاب يتضمن أشعاراً لأبيها الراحل كتبها بلهجة الأرمن من منطقة (هامشين).
وقد بدأت في أرمينيا، ولأول مرة في حياتي، كتابة رباعيات الشعر باللغة الأرمنية مهداة إلى آلينا. وقد كتبت في السابق عدداً كبيراً من المقالات باللغة الأرمنية (كذلك العربية والانكليزية)، بيد أنني لم أخض بحر الشعر لصعوبته وعدم وجود الشخص الذي يلهمني لكتابته! وقد كتبت حتى الآن أربع رباعيات شعرية على الوزن والقافية أثنين منها وأنا جالس، ضمن فترة الاستراحة اليومية من العمل، قرب نصب الشاعر الأرمني الكبير آفيديك ايساهاكيان (1875-1957) المطل على شارع الأديب الأرمني الكبير خاجادور آبوفيان (1803-1848) الواقع قريباً من المشروع الذي كنت أعمل فيه. وفي إحداها أقول:
حبيبتي، أنت منارة حياتي
معك تكون حياتي سعيدة
لنؤسس مستقبلنا سوية
ونبقى أبداً محبين وصدوقين
وقد وجدت في آلينا الفتاة الذي أحلم بها. فهي ذكية، وطيبة، ومثقفة، وجميلة، ومحافظة، ومتوافقة معي، إلى حد كبير، في العادات والطباع. وقد أقمنا مراسيم الزواج في مدينة أجميادزبن المقدسة. ويرمز زواجي أنا وآلينا إلى عودة الأرمن إلى الوطن الأم (آلينا من تركمنستان وأنا من العراق) وزواجنا في مدينة أجميادزين المقدسة.
هامشين ..
لقد بدأ اهتمامي بالأرمن من منطقة هامشين منذ فترة طويلة، بسبب الطبيعة الفريدة للأرمن فيها، كونهم المجموعة الأرمنية الوحيدة التي تضم من بين صفوفها، المسيحيون والمسلمون. وتنحدر آلينا، كما بينت آنفاً، من هذه المنطقة.
وقد حضرت في أرمينيا نشاطات الأسبوع الثقافي المهداة إلى الأرمن من هذه المنطقة[2]. وقد أقيمت مأدبة غداء في فترة الاستراحة للمؤتمر الذي نظم خلال الأسبوع الثقافي جلس بقربي خلالها شابان. وتعرفت إلى الشاب وكان يواصل دراسة التاريخ في أرمينيا للحصول على شهادة الماجستير. وبعد أن قال هذا الشاب للفتاة التي كانت تجلس بقربه عن اسمي وبأنني من العراق أخذت الفتاة تنظر الي باهتمام بالغ واقتربت مني قائلة: إنني (آنا) وأواصل دراسة الدكتوراه في برلين في علم النفس، وكنت قد بعثت لك رسالة تأييد وتعاطف عبر الانترنت بعد نشر مقالتك المؤثرة: وداعاً ..حبيبتي بغداد[3]!! وكان هذا اللقاء مفاجأة كبيرة لي، كما أنني كنت أتخيل كاتبة الرسالة امرأة كبيرة في السن وترتدي النظارات، ولم أتخيلها شابة جميلة !!
كما التقيت خلال هذا المؤتمر بالدكتور روبين سافرستيان مدير معهد الاستشراف في مجمع أكاديمية علوم أرمينيا، وزرت مكتبه بعد أيام لسؤاله عن إمكانية نشر كتب لي باللغة العربية في أرمينيا. وقد تحدثنا في مختلف الأمور السياسية الراهنة. وقال سافرستيان (في إطار الحديث عن مبادرة رئيس أرمينيا سيرج ساركيسيان لتحسبن العلاقات مع تركيا): إن تركيا لن تفتح حدودها مع أرمينيا وهي سياسة ثابتة تتبعها منذ سنوات، مضيفاً إن فتح الحدود هو في مصلحة الدولتين، وأن هنالك كساداً اقتصادياً وبطالة عالية في المناطق الشرقية لتركيا المحاذية لأرمينيا[4]، وفي حالة فتح الحدود بين الدولتين فأن العمالة الأرمنية ستصل هذه المنطقة والبضائع الأرمنية ستصدر إليها. وأوضح أن أرمينيا لا بد أن تكون مهيأة لفتح الحدود اقتصادياً وأمنياً. وخلال اللقاء معه، تسلم سافرستيان اتصالاً عبر هاتفه الخليوي، أخبرني بعدها أن يوسف هالاج أوغلو، رئيس مجمع التاريخ التركي المعروف بموفقه الناكر للإبادة الأرمنية لعام 1915، قد أعفي من منصبه، لأن الحكومة التركية تريد تعيين شخص آخر في هذا المنصب ينتمي إلى الحزب الحاكم. وحاول سافرستيان خلال اللقاء إقناعي بدراسة التاريخ في المعهد الذي يترأسه للحصول على شهادة الدكتوراه، وهي دراسة مخصصة للطلبة الذي يحملون جنسيات أجنبية (غبر أرمينية)، وقد وعدته بدراسة هذا الموضوع وتحقيقه ريثما تسمح لي الظروف بذلك في المستقبل.
وجدت معارفي في أجميادزين
كان لعائلتي معارف في مدينة اجميادزين المقدسة انقطعت الصلة معهم بعد نشوب الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، وهذه عائلة أخت سربوهي، زوجة أبي الأولى التي توفيت في العام 1951 وتزوج أبي من أمي في العام 1957.
وكانت سربوهي وأخوها وأختها قد وضعوا في دار للأيتام في مدينة الإسكندرية بمصر بعد فقدان ذويهم إثر الإبادة الأرمنية لعام 1915. ثم جاء العم ليأخذ الأخت ويرعاها في اليونان، وتبنت عائلة أرمنية مصرية سربوهي، أما الأخ فقد تبنته عائلة أرمنية فرنسية، بيد أنه توفي بعد فترة قصيرة في فرنسا وهو في سن الثالثة عشرة بسبب اعتلال صحته. ثم هاجرت العائلة التي تبنت سربوهي إلى العراق، وتم زواج سربوهي من أبي الذي كان هو الآخر قد نجا بأعجوبة من المجازر ورحل إلى العراق. ورحلت العائلة التي تبنت سربوهي إلى أرمينيا.
وبحثت الأخت، التي جاءت بعد سنوات طويلة إلى أرمينيا من اليونان واستقرت في مدينة أجميادزين، عن سربوهي، وعلمت في العام 1958 أن أختها في العراق، واتصلت بالكنيسة الأرمنية فيها تسألها عن أختها. فأجابها أبي إن أختها سربوهي قد توفيت في العام 1951 وأن هنالك عائلة في أرمينيا كانت قد تبنت سربوهي، فاتصلت الأخت في أرمينيا بالعائلة التي تبنت سربوهي وتواصلت معها. وقد استمرت الصلة بين عائلتي وعائلة أخت سربوهي والتقى أبي العائلة عند زيارته لأرمينيا في العام 1968 والتقت أمي بها في العام 1979، وضم أرشيف الصور لعائلتي صوراً فوتوغرافية من هذين اللقاءين.
وكنت، وأنا في العراق، حريصاً على معاودة الاتصال بعائلة أخت سربوهي وابنها سركيس الذي هو ابن الخالة لأخي (من أبي) العليل في ظل عدم وجود أي أقارب لي في أرمينيا. وكنت أسأل آلينا التي تقيم أيضا في مدينة أجميادزين أثناء التحدث معها عبر الانترنت، عن هذه العائلة التي كنت أعرف عنها فقط أسم ابن الخالة لأخي وزوجته وابنتهما، التي أسميت (سربوهي) أيضا، من دون معرفة لقب العائلة وأسماء الأبناء الآخرين، وكنت أعلم أنها تسكن في منطقة تقع في مقابل المقبرة في المدينة. بيد أنني علمت من آلينا أن هنالك مقابر عديدة في أجميادزين، وأنها قد سألت عن هذه العائلة، على وفق المعلومات التي أعطيتها عنها، لكنها لم تفلح في إيجادها.
وبعد مجيئي إلى أرمينيا سلمت الصور في أرشيف عائلتي إلى آلينا للبحث عن هذه العائلة، وكنت قد بدأت فقدان الأمل بإيجاد هذه العائلة بعد انقطاع الصلة بها لمدة 29 عاماً. وفي أحد الأيام حينما كنت أتجول مع آلينا في محيط كنيسة (هريبسيميه) في أجميادزين، قالت لي آلينا: إن هذه المنطقة تضم إحدى المقابر الرئيسة في المدينة، فأجبتها مباشرة: من المحتمل أن سركيس وعائلته يسكنون هنا في الجوار، وقررنا سوية السؤال عن العائلة من ورشة لصنع التوابيت تقع مقابل المقبرة. وكانت آلينا تحمل الصور الأخيرة عن اللقاء بين أمي والعائلة في حقيبتها للسؤال المستمر عن أصحاب هذه الصورة. وكان الرجل الذي سألناه عن الصورة يبدو في الستينيات من عمره وتعرف إلى أصحابها مباشرة قائلاً: إنهم يقيمون على بعد أمتار من هنا !! فاصطحبنا الرجل إلى بيت وجدت فيه سركيس وزوجته وقلت لزوجته: هل تعرفين هذه المرأة في الصورة؟ فأجابتني مباشرة باسم أمي، فقلت لها: إنني ابنها. وكانت مفاجأة كبيرة لها ولنا، وصيفتنا العائلة سائلة عن أخبارنا طوال هذه السنوات التي انقطعت خلالها الصلة بيننا. والتقيت بجميع أبناء العائلة وابنهما هاكوب الذي يعمل في البناء والذي قام بترميم الشقة التي اشتريتها. وأصبحت هذه العائلة هي عائلتي عند إتمام المراسيم الطقسية لزواجي من آلينا، بسبب عدم وجود أي أقرباء لي في أرمينيا، كما أشرت آنفاً.
أحداث 1-2 آذار-مارس 2008
شارك في الانتخابات الرئاسية في أرمينيا عام 2008 تسعة مرشحين كان أبرزهم رئيس الوزراء السابق ورئيس الجمهورية الحالي سيرج ساركيسبان. كما شارك فيها رئيس الجمهورية الأسبق ومرشح المعارضة ليفون تير بتروسيان. وبعد حدوث الانتخابات في 19 شباط-فبراير، نزل عشرات الألوف من مؤيدي تير بتروسيان إلى الشارع في وسط العاصمة في 20-21 شباط-فبراير للاحتجاج على نتائج الانتخابات والاتهام بحدوث تزوير فيها. واستمرت الاحتجاجات والتظاهرات من قبل المعارضة في ساحة الحرية بالقرب من مبنى الأوبرا والمناطق الأخرى مدة 11 يوماً وشحن الجو السياسي والعام في أرمينيا إلى حد كبير.
كان يوم الأول من آذار-مارس 2008 يصادف يوم سبت، وهذا هو يوم استراحتي من العمل. فلم نكن ندري ماذا يحدث في يريفان هذا اليوم، بسبب عدم بث القنوات التلفازية لما يحدث. فسألتني أناهيت، وهي صحفية أعرفها ونسكن مدينة ستيباناكيرت عاصمة جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية، عبر الانترنت: ماذا يحدث عندكم في يريفان؟! فاضطررت إلى فتح مواقع الانترنت لـ(المعارضة) لمعرفة ما يحدث، وعلمت ما حدث صباحاً في ساحة (الحرية) قرب مبنى الأوبرا والتطورات اللاحقة.
وكانت صديقة لـ(آلينا) قد دعتها في اليوم ذاته لحضور عرض للسيرك في يريفان، فاتصلت بـ(آلينا) وقلت لها إن الأوضاع في يريفان يمكن أن تتطور إلى حد خطير، مفضلاً بقاءها في اجميادزين. وأجابتني إنها في طريقها إلى يريفان وان صديقتها من مدينة آرارات هي في يريفان في ذلك الوقت، محاولة تبديد مخاوفي قائلة: إن كل شيء سوف يكون على ما يرام.
وبعد اللقاء مع آلينا والتجوال في يريفان وصلنا سوية في الساعة التاسعة والربع مساء إلى مراب السيارات المنطلقة إلى مدينة أجميادزين يقع قريباً من شارع ماشدوتس. حينذاك بدأ إطلاق العيارات النارية في الهواء من قبل الشرطة لتفريق المتظاهرين، وتراكض الناس في الشوارع وشاهدنا على بعد أمتار سيارات محترقة قرب (السوق المغلق) في هذا الشارع وتراكض بعض رجال الشرطة الذين تركوا دروعهم وامتزجوا مع الناس. فدخلنا شارع المراب المسمى شارع ساريان. وكنت هادئاً وتشغلني فكرة واحدة فقط، هي كيفية إيصال آلينا إلى أجميادزين. وقد اندهشت آلينا من هدوء أعصابي وكأن شيئاً لا يحدث، فقلت لها: هل نسيت أنني من العراق وعشت فيها حروباً مدمرة، وقد أصبحت هذه المناظر مألوفة لي!! ثم قررت الرجوع إلى مكان المراب ذاته وشاهدنا سيارة تجمع عدداً محدوداً من الركاب إلى أجميادزين، فركبت آلينا السيارة التي انطلقت بسرعة في طريق فرعي كان ما يزال مفتوحاً أمام السيارات.
وقفلت راجعاً إلى الشقة التي كنت استأجرها في شارع كييف وكانت هادئة تماماً فشاهدت ابنة أختي وقريبتنا وهما لا تعلمان شيئاً مما يحدث، فرويت لهما كشاهد عيان ما حدث في أسوأ ليلة في تاريخ أرمينيا المعاصر!!
وقد ضيفتني قناة العالم الإخبارية (باللغة العربية) عبر الهاتف (مع آخرين) لإعطاء انطباعاتي وتحليلي عن هذه الأحداث[5]. وقد لاحظت أن مؤيدي الرئيس السابق ليفون تير بتروسيان يتكونون من الشرائح الآتية: المراهقون والشباب الذين لا يتذكرون سني حكمه المليئة بالمصاعب والأزمات، والمنتفعون من سني حكمه الذين فقدوا امتيازاتهم برحيله، والمعادون لأهل ارتساخ-غاراباغ وطبقة الأثرياء، والفقراء الساخطون على مظاهر النقص في العدالة الاجتماعية والذين يطمحون إلى تحسين أحوالهم المعيشية، فضلاً عن نسبة من العاملين في المنظمات الدولية والإنسانية والمرتبطين بالغرب والمعادين للنفوذ الروسي في أرمينيا. وهناك فئة العاطلين عن العمل الذين كانوا يتقاضون أجوراً يومية لقاء المشاركة في التظاهرات والاعتصامات اليومية !! وتردد هنا أن الطعام الذي قدم لبعض الذين شاركوا بأعمال الشغب قد مزج ببعض العقارات المخدرة!!
وقد صرح أحد الزعماء السياسيين الأرمن أن ليفون تير بتروسيان يشكل خطراً على الأمن القومي لأرمينيا، ولا بد له أن يرحل عنها. إن نشاط أي شخص، مثل بتروسيان، المعادي للمصالح القومية لبلده وللأمن والاستقرار فيه في أية دولة كانت ستضعه حتما تحت طائلة المسؤولية القانونية والجنائية، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن في أرمينيا. ويبدو أن عدد مؤيديه في تناقص مستمر بعد فشل حركته وانكشاف الدعم الخارجي لها، وبيان جدية الحكومة في تحسين الأحوال المعيشية للناس وتحقيق العدالة الاجتماعية.
شراء شقة وترميمها
كانت القضية التي تستحوذ على انتباهي منذ مجيئي إلى أرمينيا هي شراء مسكن للاستقرار فيها. وقد أكثرت من البحث عن شقة مناسبة بلا جدوى. وقد زاد من قلقي تذبذب سعر الدولار وانخفاضه باستمرار في أرمينيا. ولكنني وجدت في النهاية شقة مناسبة في منطقة زيتون الجديدة، بمساعدة فتاة أرمنية عراقية شابة تعمل وسيطة في مجال بيع العقارات ، وهي منطقة مرتفعة تتوسط أحياء كثيرة وتكثر إليها وسائط النقل, وقد أسس هذا الحي أرمن المهجر العائدون إلى أرمينيا في العام 1947 [6].
وقد بدأت أعمال الترميم في هذه الشقة في الطابق الأول من العمارة ذات الطوابق الخمسة المشيدة من الحجر على وفق المخطط التشيكي (نسبة إلى جمهورية تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية السابقة). وتعد أعمال الترميم في أرمينيا صعبة ومكلفة، بيد أنني قمت بها بحسن التدبير والسؤال المستمر من قبل زملائي في العمل عن الطرق الأنسب لانجاز مثل هذه الأعمال في أرمينيا. وقد وضعت في الشقة نظام التدفئة الذي يعمل على الغاز. وتعد هذه الخطوة مهمة جداً في ظل انخفاض درجات الحرارة في أرمينيا في الشتاء إلى 20-30 درجة مئوية تحت الصفر وارتفاع كلفة الطاقة الكهربائية، على الرغم من رفع كلفة الغاز أيضاً في أرمينيا بنحو مرة ونصف منذ شهر أيار-مايس الماضي.
الوضع الديني ولقاء مع أعضاء في البدع
التقيت في أرمينيا في مناسبات عديدة بأعضاء في البدع والشيع. ولعل أخطر هذه الشيع المنتشرة الآن في أرمينيا هي شيعة شهود يهوه التي توصل بعض التقديرات عددهم في أرمينيا إلى نحو 18 ألف شخص.
ولم أكن أتخيل وأنا في أرمينيا أن أعضاء في هذه الشيعة سيطرقون بابي. ففي أحد الأيام، طرق باب شقتي شخصان، شاب وشابة، ولم يقل لي الشاب أولاً أنه ينتمي إلى شيعة شهود يهوه، على ما يبدو لتجنب إغلاق الباب في وجهه، كما يقوم بذلك أغلب الناس هنا. وسألني: هل أنت متفائل بشأن مستقبل أرمينيا؟! فظننته أحد الذين يجرون الاستفتاءات ودعوته مع الشابة التي ترافقه للدخول إلى الشقة.
وما أن دخل الشاب الشقة فتح الحقيبة التي كان يحملها وأخرج منها نسخة من الكتاب المقدس، فبادرته بالسؤال: إلى أية بدعة تنتميا؟ فأجاب: شهود يهوه وأخذ يقرأ أجزاء من الكتاب المقدس.
فبدأت بتوبيخهما بشكل مهذب، ضمني في بعض الأحيان ومباشر في أحيان أخرى، مبيناً لهما مدى الضرر الذي يلحق عملهما بالأمة. وكان الشاب يحاول بين حين وأخر إكمال قراءاته، فقلت له: أوقف ذلك فأنني اعرف كل ذلك عن ظهر قلب، فقد كنت أحد المؤسسين لتنظيم محبي الكنيسة في الكنيسة الأرمنية في العراق وألقيت عدداً كبيراً من المحاضرات في تفسير الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة العام والكنيسة الأرمنية. ولاحظت جهلهما التام بالمعلومات الأساسية التي قدمتها عن الكتاب المقدس. وبدأت بإلقاء محاضرة طويلة عليهما كأنني كنت ألقيها على طلبتي في تنظيم محبي الكنيسة أو في الجامعة. وكانا يسمعان إشاراتي وتوبيخي لهما وكأنني أوبخ طلبة فاشلين لي في الدراسة!! وأوضحت لهما مدى تعارض تعليمات شيعة شهود يهوه مع الكتاب المقدس وهم يدعون استنادهم إليه. وقد بدا الشاب مرتبكا وغير مهيأ لهذا النوع من النقاش، أما الشابة فقد بدت هي الأخرى مرتبكة وفي حيرة من أمرها، لكنها كانت تهز رأسها باستمرار دلالة على الموافقة! كما ظهر لي جهلهما ببعض ادعاءات شيعة شهود يهوه أنفسهم، بسبب وجود نسخة أرمنية من الكتاب المقدس لديهما هو ليس من إصدار شيعة شهود يهوه. بيد أن الشاب أخرج من حقيبته نسخة روسية من الكتاب المقدس هي من إصدار الشيعة وكانت تثبت ما أقول وعن التحريف الذي كان موجوداً فيها مقارنة بنسخة انكليزية من الكتاب المقدس أظهرتها لهما وكانت محفوظة في حاسوبي الشخصي، مما زاد من إرباك الفتاة وحيرتها. ثم دعوتها إلى جلسة أخرى أبين فيها بالتفصيل مدى التعارض الواضح للتعاليم التي يدعون إليها مع الكتاب المقدس.
وفي المرة الثانية شرحت بالتفصيل هذا التعارض في المبادئ الرئيسة للإيمان المسيحي فاعتذرا عن المواصلة بحجة الذهاب إلى الشقة المقابلة لشقتي، بيد أنهما خرجا من شقتي من دون المرور على الشقة المجاورة!! وقد حذرني بعض الأصدقاء من فتح الباب لأعضاء في البدع لأنهم يقومون بسرقة حاجيات في الأماكن الذين يدخلون إليها!! وقد لاحظت الملصقات يشكل خاص في الشوارع ضد أعضاء هذه البدعة من قبل "نحالف منظمات الأمة الواحدة" Pact of One Nation Organizations.
وهناك نسبة كبيرة من الناس في أرمينيا يحملون رموزاً مسيحية أو يضعونها في السيارات العامة والخاصة. وتعمل الكنيسة في أرمينيا ما في وسعها لنشر الإيمان المسيحي وتوعية الناس من خلال برامج التلفاز والإذاعة. وقال مواطن ألماني يزور أرمينيا باستمرار في أحد برامج التلفاز: إن الناس في أرمينيا يذهبون إلى الكنائس وهم مليئون بالثقة، على عكس الناس في ألمانيا، لأن الحكام في ألمانيا على مدى التاريخ كانوا يضغطون على الناس من خلال الكنيسة الكاثوليكية، ولكن الكنيسة في أرمينيا، بحسب قوله، مستقلة.
وغالباً أدخل في نقاشات، لا سيما مع البعض من كبار السن، حول النظام الشيوعي الشمولي السابق الذي كان سبباً في تفشي الإلحاد والفساد والرشوة في البلاد وضياع استقلال أرمينيا وضم إقليمي ارتساخ-غاراباغ وناخيتشيفان إلى أذربيجان المجاورة. ويدافع هؤلاء عن هذا النظام ويتمنون عودته بسبب رخص المعيشة آنذاك وكون العمل متوفراً والسكن مجانياً.
الاقتصاد
ينبغي على الحكومة مع حملات البناء الضخمة التي تنجزها بناء مصانع جديدة بدلاً عن المتوقفة لخلق فرص عمل جديدة وتطوير الاقتصاد، على الرغم من أن الإحصاءات تشير إلى نسب عالية للنمو الاقتصادي في أرمينيا، ولكن تبقى كلفة المعيشة في أرمينيا عالية، وتعتمد نسبة كبيرة من السكان في معيشتها على المبالغ التي يحولها لهم أقرباؤهم الذي يعملون خارج أرمينيا، لا سيما في روسيا والولايات المتحدة.
وتبدو الحكومة بعد انتخاب سيرج ساركيسيان رئيسا لأرمينيا جادة في مكافحة الفساد والتهرب الضريبي وتحقيق العدالة الاجتماعية بين السكان. وتعتمد أرمينيا، في تطوير اقتصادها، بشكل كبير، على السياحة.
وتعد أرمينيا مكاناً آمناً للسكان، ومنهم الأطفال، وهو ما يلاحظه دائماً الأجانب الزائرون للبلد.
سفرة للأرمن العراقيين
نتيجة للأوضاع الأمنية السائدة في العراق، اجتمع عدد كبير من الأرمن العراقيين في أرمينيا. وقد حضرت بصحبة آلينا سفرة نظمها اتحاد الأرمن العراقيين في أرمينيا وشارك فيها أكثر من 200 شخص إلى منطقة (سهل آشتاراك) التي تتمتع بطبيعة خلابة ويجتمع فيها الناس أيام الأحد للراحة والاستجمام. وقد تذكرت السفرات التي كانت تنظمها الجمعيات الثقافية الأرمنية نهاية السبعينيات، وفي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ولم أكن أتخيل أن هذه المجموعة الكبيرة من الأرمن العراقيين ستجتمع في أرمينيا التي كانت آنذاك جمهورية سوفييتية في الوقت الذي كان فيه العراق مستقلاً. أما الآن، فقد تغيرت الأوضاع وأصبحت أرمينيا جمهورية مستقلة، في حين أصبح العراق محتلا من قبل القوات الأجنبية.
وتم تشكيل جمعية عامة للأرمن العراقيين في أرمينيا وانتخاب الهيئة الإدارية لها في اجتماع عام حضره نحو 140 من الأرمن العراقيين في أرمينيا في 15 تموز-يوليو 2008. ويقدر عدد الأرمن العراقيين القاطنين في أرمينيا بـ (800-1000 شخص). ولا يوجد برنامج حكومي في أرمينيا لدعم الأرمن العراقيين كلاجئين ومساعدتهم في التغلب على صعوبات العيش والعمل وادمجاهم بالمجتمع في أرمينيا. ولعل هذه المهمة ستكون من أوائل المهمات التي ستضطلع بها وزارة المهجر الأرمني المشكلة حديثاً في أرمينيا. وبسبب عدم وجود الدعم الحكومي يعتزم عدد من الأرمن العراقيين العودة إلى العراق أو الهجرة إلى دول أخرى.
تحديات الألفية
بعد انتهاء العمل في مشروع الجسر الذي كنت أعمل فيه انتقلت مباشرة للعمل في منظمة تحديات الألفية-أرمينيا Millennium Challenge Account-Armenia))، وهي منظمة حكومية أسستها حكومة أرمينيا، لتكون مسؤولة عن الإشراف على التطبيقِ للميثاق الذي وقع بين شركةِ تحدي الألفيةَ Millennium Challenge Corporation)) وحكومة أرمينيا.
في عام 2004، أعلنت حكومةِ الولايات المتحدة الأميركية عن تأسيس مؤسسة لتَوفير دعم مالي خاص إلى دول هي في حاجة إليها لمواجهة تحديات الألفيةِ. وفي 27 آذار- مارس 2006، وقعت شركة تحدي الألفيةَ ميثاقاً مع حكومةِ أرمينيا لمدة خمس سنوات بمبلغ 235.6 مليون دولار. ويركز الميثاقَ على هدف واحد هو تخفيض نسبة الفقر في الأريافِ من خلال تحقيق زيادة مستمرة في الأداءِ الاقتصادي للقطاعِ الزراعيِ. وتخطط أرمينيا لتحقيق هذا الهدفِ من خلال برنامج أمده خمس سَنَوات لإدخال الاستثمارات الإستراتيجيةِ في الطرقِ الريفيةِ، والبنى التحتية لمنشآت الري وإبداء المعونة التقنية والمالية لتَحسين توفير المياه ودعم المزارعين والأعمال الزراعيةِ. وسيؤثر البرنامج مباشرة في نسبة كبيرة من سكانِ الأرياف، ويتوقع أن يخفض نسبةِ الفقر في الأرياف ويحسن المستوى المعيشي فيها. وأعمل في المنظمة مهندساً مدنياً للبنى التحتية لمنشآت الري.
[1] تعد هذه المقالة تكملة لمقالتي السابقة تحت عنون: مرحباً .. حبيبتي يريفان.
http://ara-ashjian.blogspot.com/2007/12/blog-post.html
[2] http://ara-ashjian.blogspot.com/2008/07/activities-of-cultural-week-dedicated.html
[3] http://www.azad-hye.org/misc.php?op=details&id=54
[4] هذه الحالة أشبهها بالحصار الاقتصادي وغلق الحدود الذي مارسته تركيا ضد العراق خلال سنوات الحصار الاقتصادي الدولي الظالم المفروض على العراق (1990-2003) والذي كان يضر تركيا بالدرجة الأولى ويحرم المناطق المحاذية للحدود مع العراق من التجارة ويرفع فيها معدلات البطالة والكساد الاقتصادي. وكانت الولايات المتحدة تسمح ضمنياً بنقل الوقود عبر السيارات إلى تركيا من العراق للتخفيف من أثر هذا الحصار على تركيا.
[5] http://www.alalam.ir/site/mokhtarat/tahtalremad/tahtalremad70.htm
[6] عاد نحو 100 ألف أرمني من المهجر إلى أرمينيا في العام 1946-1947 ، بضمنهم 1000 أرمني من العراق. وقد علمت من أقاربي مؤخرا أن أبي الراحل كان قد حزم حقائبه للرحيل إلى أرمينيا في هذه السنة مع .زوجته الأولى والعائلة (قبل ولادتي)، إلا أن عمي، رحمه الله، تمكن من إقناعه بالبقاء في العراق، لأنه كان يرى أن الأحوال الاقتصادية والمعيشية ستتحسن في العراق. وبرجوعي إلى أرمينيا، أنجزت، من دون علم، خطوة كان أبي الراحل يعتزم انجازها قبل 60 عاماً!
ومن الملفت للنظر أن آلينا عندما جاءت إلى أرمينيا لم تكن تتكلم غير اللغة الروسية، بسبب عدم وجود كنيسة ومدرسة للأرمن في مدينة (عشق آباد). وقد تعلمت اللغة الأرمنية في أرمينيا وأتقنتها إلى حد أنها تترجم المقالات الآن من والى اللغة الأرمنية. وقامت آلينا بنشر كتاب يتضمن أشعاراً لأبيها الراحل كتبها بلهجة الأرمن من منطقة (هامشين).
وقد بدأت في أرمينيا، ولأول مرة في حياتي، كتابة رباعيات الشعر باللغة الأرمنية مهداة إلى آلينا. وقد كتبت في السابق عدداً كبيراً من المقالات باللغة الأرمنية (كذلك العربية والانكليزية)، بيد أنني لم أخض بحر الشعر لصعوبته وعدم وجود الشخص الذي يلهمني لكتابته! وقد كتبت حتى الآن أربع رباعيات شعرية على الوزن والقافية أثنين منها وأنا جالس، ضمن فترة الاستراحة اليومية من العمل، قرب نصب الشاعر الأرمني الكبير آفيديك ايساهاكيان (1875-1957) المطل على شارع الأديب الأرمني الكبير خاجادور آبوفيان (1803-1848) الواقع قريباً من المشروع الذي كنت أعمل فيه. وفي إحداها أقول:
حبيبتي، أنت منارة حياتي
معك تكون حياتي سعيدة
لنؤسس مستقبلنا سوية
ونبقى أبداً محبين وصدوقين
وقد وجدت في آلينا الفتاة الذي أحلم بها. فهي ذكية، وطيبة، ومثقفة، وجميلة، ومحافظة، ومتوافقة معي، إلى حد كبير، في العادات والطباع. وقد أقمنا مراسيم الزواج في مدينة أجميادزبن المقدسة. ويرمز زواجي أنا وآلينا إلى عودة الأرمن إلى الوطن الأم (آلينا من تركمنستان وأنا من العراق) وزواجنا في مدينة أجميادزين المقدسة.
هامشين ..
لقد بدأ اهتمامي بالأرمن من منطقة هامشين منذ فترة طويلة، بسبب الطبيعة الفريدة للأرمن فيها، كونهم المجموعة الأرمنية الوحيدة التي تضم من بين صفوفها، المسيحيون والمسلمون. وتنحدر آلينا، كما بينت آنفاً، من هذه المنطقة.
وقد حضرت في أرمينيا نشاطات الأسبوع الثقافي المهداة إلى الأرمن من هذه المنطقة[2]. وقد أقيمت مأدبة غداء في فترة الاستراحة للمؤتمر الذي نظم خلال الأسبوع الثقافي جلس بقربي خلالها شابان. وتعرفت إلى الشاب وكان يواصل دراسة التاريخ في أرمينيا للحصول على شهادة الماجستير. وبعد أن قال هذا الشاب للفتاة التي كانت تجلس بقربه عن اسمي وبأنني من العراق أخذت الفتاة تنظر الي باهتمام بالغ واقتربت مني قائلة: إنني (آنا) وأواصل دراسة الدكتوراه في برلين في علم النفس، وكنت قد بعثت لك رسالة تأييد وتعاطف عبر الانترنت بعد نشر مقالتك المؤثرة: وداعاً ..حبيبتي بغداد[3]!! وكان هذا اللقاء مفاجأة كبيرة لي، كما أنني كنت أتخيل كاتبة الرسالة امرأة كبيرة في السن وترتدي النظارات، ولم أتخيلها شابة جميلة !!
كما التقيت خلال هذا المؤتمر بالدكتور روبين سافرستيان مدير معهد الاستشراف في مجمع أكاديمية علوم أرمينيا، وزرت مكتبه بعد أيام لسؤاله عن إمكانية نشر كتب لي باللغة العربية في أرمينيا. وقد تحدثنا في مختلف الأمور السياسية الراهنة. وقال سافرستيان (في إطار الحديث عن مبادرة رئيس أرمينيا سيرج ساركيسيان لتحسبن العلاقات مع تركيا): إن تركيا لن تفتح حدودها مع أرمينيا وهي سياسة ثابتة تتبعها منذ سنوات، مضيفاً إن فتح الحدود هو في مصلحة الدولتين، وأن هنالك كساداً اقتصادياً وبطالة عالية في المناطق الشرقية لتركيا المحاذية لأرمينيا[4]، وفي حالة فتح الحدود بين الدولتين فأن العمالة الأرمنية ستصل هذه المنطقة والبضائع الأرمنية ستصدر إليها. وأوضح أن أرمينيا لا بد أن تكون مهيأة لفتح الحدود اقتصادياً وأمنياً. وخلال اللقاء معه، تسلم سافرستيان اتصالاً عبر هاتفه الخليوي، أخبرني بعدها أن يوسف هالاج أوغلو، رئيس مجمع التاريخ التركي المعروف بموفقه الناكر للإبادة الأرمنية لعام 1915، قد أعفي من منصبه، لأن الحكومة التركية تريد تعيين شخص آخر في هذا المنصب ينتمي إلى الحزب الحاكم. وحاول سافرستيان خلال اللقاء إقناعي بدراسة التاريخ في المعهد الذي يترأسه للحصول على شهادة الدكتوراه، وهي دراسة مخصصة للطلبة الذي يحملون جنسيات أجنبية (غبر أرمينية)، وقد وعدته بدراسة هذا الموضوع وتحقيقه ريثما تسمح لي الظروف بذلك في المستقبل.
وجدت معارفي في أجميادزين
كان لعائلتي معارف في مدينة اجميادزين المقدسة انقطعت الصلة معهم بعد نشوب الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، وهذه عائلة أخت سربوهي، زوجة أبي الأولى التي توفيت في العام 1951 وتزوج أبي من أمي في العام 1957.
وكانت سربوهي وأخوها وأختها قد وضعوا في دار للأيتام في مدينة الإسكندرية بمصر بعد فقدان ذويهم إثر الإبادة الأرمنية لعام 1915. ثم جاء العم ليأخذ الأخت ويرعاها في اليونان، وتبنت عائلة أرمنية مصرية سربوهي، أما الأخ فقد تبنته عائلة أرمنية فرنسية، بيد أنه توفي بعد فترة قصيرة في فرنسا وهو في سن الثالثة عشرة بسبب اعتلال صحته. ثم هاجرت العائلة التي تبنت سربوهي إلى العراق، وتم زواج سربوهي من أبي الذي كان هو الآخر قد نجا بأعجوبة من المجازر ورحل إلى العراق. ورحلت العائلة التي تبنت سربوهي إلى أرمينيا.
وبحثت الأخت، التي جاءت بعد سنوات طويلة إلى أرمينيا من اليونان واستقرت في مدينة أجميادزين، عن سربوهي، وعلمت في العام 1958 أن أختها في العراق، واتصلت بالكنيسة الأرمنية فيها تسألها عن أختها. فأجابها أبي إن أختها سربوهي قد توفيت في العام 1951 وأن هنالك عائلة في أرمينيا كانت قد تبنت سربوهي، فاتصلت الأخت في أرمينيا بالعائلة التي تبنت سربوهي وتواصلت معها. وقد استمرت الصلة بين عائلتي وعائلة أخت سربوهي والتقى أبي العائلة عند زيارته لأرمينيا في العام 1968 والتقت أمي بها في العام 1979، وضم أرشيف الصور لعائلتي صوراً فوتوغرافية من هذين اللقاءين.
وكنت، وأنا في العراق، حريصاً على معاودة الاتصال بعائلة أخت سربوهي وابنها سركيس الذي هو ابن الخالة لأخي (من أبي) العليل في ظل عدم وجود أي أقارب لي في أرمينيا. وكنت أسأل آلينا التي تقيم أيضا في مدينة أجميادزين أثناء التحدث معها عبر الانترنت، عن هذه العائلة التي كنت أعرف عنها فقط أسم ابن الخالة لأخي وزوجته وابنتهما، التي أسميت (سربوهي) أيضا، من دون معرفة لقب العائلة وأسماء الأبناء الآخرين، وكنت أعلم أنها تسكن في منطقة تقع في مقابل المقبرة في المدينة. بيد أنني علمت من آلينا أن هنالك مقابر عديدة في أجميادزين، وأنها قد سألت عن هذه العائلة، على وفق المعلومات التي أعطيتها عنها، لكنها لم تفلح في إيجادها.
وبعد مجيئي إلى أرمينيا سلمت الصور في أرشيف عائلتي إلى آلينا للبحث عن هذه العائلة، وكنت قد بدأت فقدان الأمل بإيجاد هذه العائلة بعد انقطاع الصلة بها لمدة 29 عاماً. وفي أحد الأيام حينما كنت أتجول مع آلينا في محيط كنيسة (هريبسيميه) في أجميادزين، قالت لي آلينا: إن هذه المنطقة تضم إحدى المقابر الرئيسة في المدينة، فأجبتها مباشرة: من المحتمل أن سركيس وعائلته يسكنون هنا في الجوار، وقررنا سوية السؤال عن العائلة من ورشة لصنع التوابيت تقع مقابل المقبرة. وكانت آلينا تحمل الصور الأخيرة عن اللقاء بين أمي والعائلة في حقيبتها للسؤال المستمر عن أصحاب هذه الصورة. وكان الرجل الذي سألناه عن الصورة يبدو في الستينيات من عمره وتعرف إلى أصحابها مباشرة قائلاً: إنهم يقيمون على بعد أمتار من هنا !! فاصطحبنا الرجل إلى بيت وجدت فيه سركيس وزوجته وقلت لزوجته: هل تعرفين هذه المرأة في الصورة؟ فأجابتني مباشرة باسم أمي، فقلت لها: إنني ابنها. وكانت مفاجأة كبيرة لها ولنا، وصيفتنا العائلة سائلة عن أخبارنا طوال هذه السنوات التي انقطعت خلالها الصلة بيننا. والتقيت بجميع أبناء العائلة وابنهما هاكوب الذي يعمل في البناء والذي قام بترميم الشقة التي اشتريتها. وأصبحت هذه العائلة هي عائلتي عند إتمام المراسيم الطقسية لزواجي من آلينا، بسبب عدم وجود أي أقرباء لي في أرمينيا، كما أشرت آنفاً.
أحداث 1-2 آذار-مارس 2008
شارك في الانتخابات الرئاسية في أرمينيا عام 2008 تسعة مرشحين كان أبرزهم رئيس الوزراء السابق ورئيس الجمهورية الحالي سيرج ساركيسبان. كما شارك فيها رئيس الجمهورية الأسبق ومرشح المعارضة ليفون تير بتروسيان. وبعد حدوث الانتخابات في 19 شباط-فبراير، نزل عشرات الألوف من مؤيدي تير بتروسيان إلى الشارع في وسط العاصمة في 20-21 شباط-فبراير للاحتجاج على نتائج الانتخابات والاتهام بحدوث تزوير فيها. واستمرت الاحتجاجات والتظاهرات من قبل المعارضة في ساحة الحرية بالقرب من مبنى الأوبرا والمناطق الأخرى مدة 11 يوماً وشحن الجو السياسي والعام في أرمينيا إلى حد كبير.
كان يوم الأول من آذار-مارس 2008 يصادف يوم سبت، وهذا هو يوم استراحتي من العمل. فلم نكن ندري ماذا يحدث في يريفان هذا اليوم، بسبب عدم بث القنوات التلفازية لما يحدث. فسألتني أناهيت، وهي صحفية أعرفها ونسكن مدينة ستيباناكيرت عاصمة جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية، عبر الانترنت: ماذا يحدث عندكم في يريفان؟! فاضطررت إلى فتح مواقع الانترنت لـ(المعارضة) لمعرفة ما يحدث، وعلمت ما حدث صباحاً في ساحة (الحرية) قرب مبنى الأوبرا والتطورات اللاحقة.
وكانت صديقة لـ(آلينا) قد دعتها في اليوم ذاته لحضور عرض للسيرك في يريفان، فاتصلت بـ(آلينا) وقلت لها إن الأوضاع في يريفان يمكن أن تتطور إلى حد خطير، مفضلاً بقاءها في اجميادزين. وأجابتني إنها في طريقها إلى يريفان وان صديقتها من مدينة آرارات هي في يريفان في ذلك الوقت، محاولة تبديد مخاوفي قائلة: إن كل شيء سوف يكون على ما يرام.
وبعد اللقاء مع آلينا والتجوال في يريفان وصلنا سوية في الساعة التاسعة والربع مساء إلى مراب السيارات المنطلقة إلى مدينة أجميادزين يقع قريباً من شارع ماشدوتس. حينذاك بدأ إطلاق العيارات النارية في الهواء من قبل الشرطة لتفريق المتظاهرين، وتراكض الناس في الشوارع وشاهدنا على بعد أمتار سيارات محترقة قرب (السوق المغلق) في هذا الشارع وتراكض بعض رجال الشرطة الذين تركوا دروعهم وامتزجوا مع الناس. فدخلنا شارع المراب المسمى شارع ساريان. وكنت هادئاً وتشغلني فكرة واحدة فقط، هي كيفية إيصال آلينا إلى أجميادزين. وقد اندهشت آلينا من هدوء أعصابي وكأن شيئاً لا يحدث، فقلت لها: هل نسيت أنني من العراق وعشت فيها حروباً مدمرة، وقد أصبحت هذه المناظر مألوفة لي!! ثم قررت الرجوع إلى مكان المراب ذاته وشاهدنا سيارة تجمع عدداً محدوداً من الركاب إلى أجميادزين، فركبت آلينا السيارة التي انطلقت بسرعة في طريق فرعي كان ما يزال مفتوحاً أمام السيارات.
وقفلت راجعاً إلى الشقة التي كنت استأجرها في شارع كييف وكانت هادئة تماماً فشاهدت ابنة أختي وقريبتنا وهما لا تعلمان شيئاً مما يحدث، فرويت لهما كشاهد عيان ما حدث في أسوأ ليلة في تاريخ أرمينيا المعاصر!!
وقد ضيفتني قناة العالم الإخبارية (باللغة العربية) عبر الهاتف (مع آخرين) لإعطاء انطباعاتي وتحليلي عن هذه الأحداث[5]. وقد لاحظت أن مؤيدي الرئيس السابق ليفون تير بتروسيان يتكونون من الشرائح الآتية: المراهقون والشباب الذين لا يتذكرون سني حكمه المليئة بالمصاعب والأزمات، والمنتفعون من سني حكمه الذين فقدوا امتيازاتهم برحيله، والمعادون لأهل ارتساخ-غاراباغ وطبقة الأثرياء، والفقراء الساخطون على مظاهر النقص في العدالة الاجتماعية والذين يطمحون إلى تحسين أحوالهم المعيشية، فضلاً عن نسبة من العاملين في المنظمات الدولية والإنسانية والمرتبطين بالغرب والمعادين للنفوذ الروسي في أرمينيا. وهناك فئة العاطلين عن العمل الذين كانوا يتقاضون أجوراً يومية لقاء المشاركة في التظاهرات والاعتصامات اليومية !! وتردد هنا أن الطعام الذي قدم لبعض الذين شاركوا بأعمال الشغب قد مزج ببعض العقارات المخدرة!!
وقد صرح أحد الزعماء السياسيين الأرمن أن ليفون تير بتروسيان يشكل خطراً على الأمن القومي لأرمينيا، ولا بد له أن يرحل عنها. إن نشاط أي شخص، مثل بتروسيان، المعادي للمصالح القومية لبلده وللأمن والاستقرار فيه في أية دولة كانت ستضعه حتما تحت طائلة المسؤولية القانونية والجنائية، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن في أرمينيا. ويبدو أن عدد مؤيديه في تناقص مستمر بعد فشل حركته وانكشاف الدعم الخارجي لها، وبيان جدية الحكومة في تحسين الأحوال المعيشية للناس وتحقيق العدالة الاجتماعية.
شراء شقة وترميمها
كانت القضية التي تستحوذ على انتباهي منذ مجيئي إلى أرمينيا هي شراء مسكن للاستقرار فيها. وقد أكثرت من البحث عن شقة مناسبة بلا جدوى. وقد زاد من قلقي تذبذب سعر الدولار وانخفاضه باستمرار في أرمينيا. ولكنني وجدت في النهاية شقة مناسبة في منطقة زيتون الجديدة، بمساعدة فتاة أرمنية عراقية شابة تعمل وسيطة في مجال بيع العقارات ، وهي منطقة مرتفعة تتوسط أحياء كثيرة وتكثر إليها وسائط النقل, وقد أسس هذا الحي أرمن المهجر العائدون إلى أرمينيا في العام 1947 [6].
وقد بدأت أعمال الترميم في هذه الشقة في الطابق الأول من العمارة ذات الطوابق الخمسة المشيدة من الحجر على وفق المخطط التشيكي (نسبة إلى جمهورية تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية السابقة). وتعد أعمال الترميم في أرمينيا صعبة ومكلفة، بيد أنني قمت بها بحسن التدبير والسؤال المستمر من قبل زملائي في العمل عن الطرق الأنسب لانجاز مثل هذه الأعمال في أرمينيا. وقد وضعت في الشقة نظام التدفئة الذي يعمل على الغاز. وتعد هذه الخطوة مهمة جداً في ظل انخفاض درجات الحرارة في أرمينيا في الشتاء إلى 20-30 درجة مئوية تحت الصفر وارتفاع كلفة الطاقة الكهربائية، على الرغم من رفع كلفة الغاز أيضاً في أرمينيا بنحو مرة ونصف منذ شهر أيار-مايس الماضي.
الوضع الديني ولقاء مع أعضاء في البدع
التقيت في أرمينيا في مناسبات عديدة بأعضاء في البدع والشيع. ولعل أخطر هذه الشيع المنتشرة الآن في أرمينيا هي شيعة شهود يهوه التي توصل بعض التقديرات عددهم في أرمينيا إلى نحو 18 ألف شخص.
ولم أكن أتخيل وأنا في أرمينيا أن أعضاء في هذه الشيعة سيطرقون بابي. ففي أحد الأيام، طرق باب شقتي شخصان، شاب وشابة، ولم يقل لي الشاب أولاً أنه ينتمي إلى شيعة شهود يهوه، على ما يبدو لتجنب إغلاق الباب في وجهه، كما يقوم بذلك أغلب الناس هنا. وسألني: هل أنت متفائل بشأن مستقبل أرمينيا؟! فظننته أحد الذين يجرون الاستفتاءات ودعوته مع الشابة التي ترافقه للدخول إلى الشقة.
وما أن دخل الشاب الشقة فتح الحقيبة التي كان يحملها وأخرج منها نسخة من الكتاب المقدس، فبادرته بالسؤال: إلى أية بدعة تنتميا؟ فأجاب: شهود يهوه وأخذ يقرأ أجزاء من الكتاب المقدس.
فبدأت بتوبيخهما بشكل مهذب، ضمني في بعض الأحيان ومباشر في أحيان أخرى، مبيناً لهما مدى الضرر الذي يلحق عملهما بالأمة. وكان الشاب يحاول بين حين وأخر إكمال قراءاته، فقلت له: أوقف ذلك فأنني اعرف كل ذلك عن ظهر قلب، فقد كنت أحد المؤسسين لتنظيم محبي الكنيسة في الكنيسة الأرمنية في العراق وألقيت عدداً كبيراً من المحاضرات في تفسير الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة العام والكنيسة الأرمنية. ولاحظت جهلهما التام بالمعلومات الأساسية التي قدمتها عن الكتاب المقدس. وبدأت بإلقاء محاضرة طويلة عليهما كأنني كنت ألقيها على طلبتي في تنظيم محبي الكنيسة أو في الجامعة. وكانا يسمعان إشاراتي وتوبيخي لهما وكأنني أوبخ طلبة فاشلين لي في الدراسة!! وأوضحت لهما مدى تعارض تعليمات شيعة شهود يهوه مع الكتاب المقدس وهم يدعون استنادهم إليه. وقد بدا الشاب مرتبكا وغير مهيأ لهذا النوع من النقاش، أما الشابة فقد بدت هي الأخرى مرتبكة وفي حيرة من أمرها، لكنها كانت تهز رأسها باستمرار دلالة على الموافقة! كما ظهر لي جهلهما ببعض ادعاءات شيعة شهود يهوه أنفسهم، بسبب وجود نسخة أرمنية من الكتاب المقدس لديهما هو ليس من إصدار شيعة شهود يهوه. بيد أن الشاب أخرج من حقيبته نسخة روسية من الكتاب المقدس هي من إصدار الشيعة وكانت تثبت ما أقول وعن التحريف الذي كان موجوداً فيها مقارنة بنسخة انكليزية من الكتاب المقدس أظهرتها لهما وكانت محفوظة في حاسوبي الشخصي، مما زاد من إرباك الفتاة وحيرتها. ثم دعوتها إلى جلسة أخرى أبين فيها بالتفصيل مدى التعارض الواضح للتعاليم التي يدعون إليها مع الكتاب المقدس.
وفي المرة الثانية شرحت بالتفصيل هذا التعارض في المبادئ الرئيسة للإيمان المسيحي فاعتذرا عن المواصلة بحجة الذهاب إلى الشقة المقابلة لشقتي، بيد أنهما خرجا من شقتي من دون المرور على الشقة المجاورة!! وقد حذرني بعض الأصدقاء من فتح الباب لأعضاء في البدع لأنهم يقومون بسرقة حاجيات في الأماكن الذين يدخلون إليها!! وقد لاحظت الملصقات يشكل خاص في الشوارع ضد أعضاء هذه البدعة من قبل "نحالف منظمات الأمة الواحدة" Pact of One Nation Organizations.
وهناك نسبة كبيرة من الناس في أرمينيا يحملون رموزاً مسيحية أو يضعونها في السيارات العامة والخاصة. وتعمل الكنيسة في أرمينيا ما في وسعها لنشر الإيمان المسيحي وتوعية الناس من خلال برامج التلفاز والإذاعة. وقال مواطن ألماني يزور أرمينيا باستمرار في أحد برامج التلفاز: إن الناس في أرمينيا يذهبون إلى الكنائس وهم مليئون بالثقة، على عكس الناس في ألمانيا، لأن الحكام في ألمانيا على مدى التاريخ كانوا يضغطون على الناس من خلال الكنيسة الكاثوليكية، ولكن الكنيسة في أرمينيا، بحسب قوله، مستقلة.
وغالباً أدخل في نقاشات، لا سيما مع البعض من كبار السن، حول النظام الشيوعي الشمولي السابق الذي كان سبباً في تفشي الإلحاد والفساد والرشوة في البلاد وضياع استقلال أرمينيا وضم إقليمي ارتساخ-غاراباغ وناخيتشيفان إلى أذربيجان المجاورة. ويدافع هؤلاء عن هذا النظام ويتمنون عودته بسبب رخص المعيشة آنذاك وكون العمل متوفراً والسكن مجانياً.
الاقتصاد
ينبغي على الحكومة مع حملات البناء الضخمة التي تنجزها بناء مصانع جديدة بدلاً عن المتوقفة لخلق فرص عمل جديدة وتطوير الاقتصاد، على الرغم من أن الإحصاءات تشير إلى نسب عالية للنمو الاقتصادي في أرمينيا، ولكن تبقى كلفة المعيشة في أرمينيا عالية، وتعتمد نسبة كبيرة من السكان في معيشتها على المبالغ التي يحولها لهم أقرباؤهم الذي يعملون خارج أرمينيا، لا سيما في روسيا والولايات المتحدة.
وتبدو الحكومة بعد انتخاب سيرج ساركيسيان رئيسا لأرمينيا جادة في مكافحة الفساد والتهرب الضريبي وتحقيق العدالة الاجتماعية بين السكان. وتعتمد أرمينيا، في تطوير اقتصادها، بشكل كبير، على السياحة.
وتعد أرمينيا مكاناً آمناً للسكان، ومنهم الأطفال، وهو ما يلاحظه دائماً الأجانب الزائرون للبلد.
سفرة للأرمن العراقيين
نتيجة للأوضاع الأمنية السائدة في العراق، اجتمع عدد كبير من الأرمن العراقيين في أرمينيا. وقد حضرت بصحبة آلينا سفرة نظمها اتحاد الأرمن العراقيين في أرمينيا وشارك فيها أكثر من 200 شخص إلى منطقة (سهل آشتاراك) التي تتمتع بطبيعة خلابة ويجتمع فيها الناس أيام الأحد للراحة والاستجمام. وقد تذكرت السفرات التي كانت تنظمها الجمعيات الثقافية الأرمنية نهاية السبعينيات، وفي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ولم أكن أتخيل أن هذه المجموعة الكبيرة من الأرمن العراقيين ستجتمع في أرمينيا التي كانت آنذاك جمهورية سوفييتية في الوقت الذي كان فيه العراق مستقلاً. أما الآن، فقد تغيرت الأوضاع وأصبحت أرمينيا جمهورية مستقلة، في حين أصبح العراق محتلا من قبل القوات الأجنبية.
وتم تشكيل جمعية عامة للأرمن العراقيين في أرمينيا وانتخاب الهيئة الإدارية لها في اجتماع عام حضره نحو 140 من الأرمن العراقيين في أرمينيا في 15 تموز-يوليو 2008. ويقدر عدد الأرمن العراقيين القاطنين في أرمينيا بـ (800-1000 شخص). ولا يوجد برنامج حكومي في أرمينيا لدعم الأرمن العراقيين كلاجئين ومساعدتهم في التغلب على صعوبات العيش والعمل وادمجاهم بالمجتمع في أرمينيا. ولعل هذه المهمة ستكون من أوائل المهمات التي ستضطلع بها وزارة المهجر الأرمني المشكلة حديثاً في أرمينيا. وبسبب عدم وجود الدعم الحكومي يعتزم عدد من الأرمن العراقيين العودة إلى العراق أو الهجرة إلى دول أخرى.
تحديات الألفية
بعد انتهاء العمل في مشروع الجسر الذي كنت أعمل فيه انتقلت مباشرة للعمل في منظمة تحديات الألفية-أرمينيا Millennium Challenge Account-Armenia))، وهي منظمة حكومية أسستها حكومة أرمينيا، لتكون مسؤولة عن الإشراف على التطبيقِ للميثاق الذي وقع بين شركةِ تحدي الألفيةَ Millennium Challenge Corporation)) وحكومة أرمينيا.
في عام 2004، أعلنت حكومةِ الولايات المتحدة الأميركية عن تأسيس مؤسسة لتَوفير دعم مالي خاص إلى دول هي في حاجة إليها لمواجهة تحديات الألفيةِ. وفي 27 آذار- مارس 2006، وقعت شركة تحدي الألفيةَ ميثاقاً مع حكومةِ أرمينيا لمدة خمس سنوات بمبلغ 235.6 مليون دولار. ويركز الميثاقَ على هدف واحد هو تخفيض نسبة الفقر في الأريافِ من خلال تحقيق زيادة مستمرة في الأداءِ الاقتصادي للقطاعِ الزراعيِ. وتخطط أرمينيا لتحقيق هذا الهدفِ من خلال برنامج أمده خمس سَنَوات لإدخال الاستثمارات الإستراتيجيةِ في الطرقِ الريفيةِ، والبنى التحتية لمنشآت الري وإبداء المعونة التقنية والمالية لتَحسين توفير المياه ودعم المزارعين والأعمال الزراعيةِ. وسيؤثر البرنامج مباشرة في نسبة كبيرة من سكانِ الأرياف، ويتوقع أن يخفض نسبةِ الفقر في الأرياف ويحسن المستوى المعيشي فيها. وأعمل في المنظمة مهندساً مدنياً للبنى التحتية لمنشآت الري.
[1] تعد هذه المقالة تكملة لمقالتي السابقة تحت عنون: مرحباً .. حبيبتي يريفان.
http://ara-ashjian.blogspot.com/2007/12/blog-post.html
[2] http://ara-ashjian.blogspot.com/2008/07/activities-of-cultural-week-dedicated.html
[3] http://www.azad-hye.org/misc.php?op=details&id=54
[4] هذه الحالة أشبهها بالحصار الاقتصادي وغلق الحدود الذي مارسته تركيا ضد العراق خلال سنوات الحصار الاقتصادي الدولي الظالم المفروض على العراق (1990-2003) والذي كان يضر تركيا بالدرجة الأولى ويحرم المناطق المحاذية للحدود مع العراق من التجارة ويرفع فيها معدلات البطالة والكساد الاقتصادي. وكانت الولايات المتحدة تسمح ضمنياً بنقل الوقود عبر السيارات إلى تركيا من العراق للتخفيف من أثر هذا الحصار على تركيا.
[5] http://www.alalam.ir/site/mokhtarat/tahtalremad/tahtalremad70.htm
[6] عاد نحو 100 ألف أرمني من المهجر إلى أرمينيا في العام 1946-1947 ، بضمنهم 1000 أرمني من العراق. وقد علمت من أقاربي مؤخرا أن أبي الراحل كان قد حزم حقائبه للرحيل إلى أرمينيا في هذه السنة مع .زوجته الأولى والعائلة (قبل ولادتي)، إلا أن عمي، رحمه الله، تمكن من إقناعه بالبقاء في العراق، لأنه كان يرى أن الأحوال الاقتصادية والمعيشية ستتحسن في العراق. وبرجوعي إلى أرمينيا، أنجزت، من دون علم، خطوة كان أبي الراحل يعتزم انجازها قبل 60 عاماً!
Dear Ara..
ReplyDeleteI read your arcticle & ne need to tell you how beutiful & deep in meanning it was...Specially when you describe your relation with your beloved wife Alina, How lucky you both to have each other Ma Sha Allah....Believe me this article is not only describe your life, But it describe our daily life through yours,,No need to say how educated you are!! How amazing writer!!! You are a man who know what he want & how to get it...I am also lucky to have you as a friend...Please keep writing & writing the truth in our lier days....Zainab Faylee/ Iraq- Baghdad